والحضارة المنحلة. وقد حدث ذلك -كما قلنا- في العصور الوسطى في أوروبا كما حدث في إنجلترا في مستهل الفتح النورماندي، وحدث أيضا في مصر بعد الفتح التركي حتى القرن التاسع عشر. ولا زلنا نصطلي ببعض ناره.
وتشير أبحاثنا التي أجريناها في نواحي الإعلام وعلم الدلالة أن اللغة العربية في مسيس الحاجة إلى الإثراء الفكري، والتقارب بين المستويات المختلفة. ويقيننا أن الحل الوحيد هو ضرورة استعمال اللغة في ميادين العلم الحديث، وخاصة الطب والهندسة والعلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية الحديثة. والرأي عندنا أننا لا ينبغي أن ننتظر حتى تقنن المصطلحات، فلا يكفي أن نبقى بمعزل عن الحضارة الحديثة، وما لم تستعمل لغتنا في هذه الميادين، فإننا نحكم على أنفسنا بالعزلة والتخلف. فاللغة والفكر وجهان لشيء واحد كالعملة تماما. ولكي تساير اللغة العربية الحضارة الحديثة، لا بد وأن تعبر عن الفكر الحديث، وهي قادرة على ذلك، غير أنها تعاني من البطالة وعدم الاستعمال.
فليس غريبا أن يكون ظهور أول صحفي مصري وهو رفاعة الطهطاوي في عصر محمد علي مقترنا بنهضة علمية، والتحام بين الثقافة الشرقية والثقافة العربية، واهتمام بالترجمة. وحتى السوريون الذين نزحوا إلى مصر من أمثال أديب إسحاق وسليم النقاش وبشارة وسليم تقلا ويعقوب صروف وجرجي زيدان وغيرهم كانوا تلاميذ لحركة نشر العلوم وتنشيط الفنون التي أنشأها القس غالي سميت والدكتور كرنيليوس فان ديك والقس وليم طمسون والمستشرق منصور كرلتي والدكتور يوحنا ورتبات وتشرشل وغيرهم. وكان من أعضائها ناصيف اليازجي وسليم دي نوفل وميخائيل فرج الله ونعمة ثابت وأنطونيوس الأميوني.
ولا شك أن الدكتور يعقوب صروف الذي حصل على بكالوريوس العلوم من الجامعة الأمريكية في بيروت سنة ١٨٧٠ قد ترجم الكثير من الكتب العلمية وجعل من مجلة المقتطف نقطة تحول في الفن الصحفي في محاولاته الأدبية والاقتصادية والسياسية. كما كان يقارن بين كتابات هربرت سبنسر في علم الاجتماع الإنساني ومقدمة ابن خلدون في نفس العلم. وليس من قبيل المصادفة أن يكون جمال الدين الأفغاني ويعقوب بن صنوع والشيخ محمد عبده ومصطفى كامل