عليه والتي تتطلب جزءا من طاقته الذهنية، أما ترتيب وتنسيق الصور المعروضة عليه فإنها تتطلب جزءا أكبر من المقدرة. والجزء الباقي يمكن تخصيصه للفكرة ذاتها، أما الطاقة الذهنية الأقل حيوية فهي لفهم هذه الفكرة. ويمكننا بالاستعارة تشبيه اللغة بأنها سيارة أن حافلة الأفكار التي يكون من الطبيعي أن الاحتكاك والقصور الذاتي في كل أحوالها يحدان من كفاءتها، والهدف الأساسي في الموضوع -وهو ليس الهدف الوحيد- أن نقلل من هذا الاحتكاك والقصور إلى أقل درجة ممكنة".
إن الفن الصحفي هو فن التغلب على عقبات الفهم ويسر القراءة. ولما كان النص في الصحيفة هو العماد أو الأساس، فيمكن تشبيه الصحفي بمرسل الشقرة والقارئ بالمستقبل، وهذه هي عملية الاتصال التي ينبغي أن تتم بأقل ما يمكن من تداخل، وبطريقة اقتصادية ناجحة. وعلى الصحفي أن يختار رموزه -كلماته وصوره ورسومه وعناوينه- ويقدمها بعناية تامة، وأن يعرف مدى سرعة القراءة لدى القارئ، ومدى التركيز على الكلمات أو مجموعات الكلمات ومدى ما يستوعب في ذاكرته من المعاني المؤقتة حتى ينتهي من قراءة الجملة، وهي في الواقع عملية نشطة يشترك فيها القارئ مع الكاتب لإدراك الصور وتطويرها، فكل كلمة أو كل مجموعة من الكلمات يضمنها في عبارات نصه يجب أن تكون مفهومة من عامة القراء، كما يجب أن تعرض بطريقة جذابة تحقق يسر القراءة، وهو ما يعرف بفن الإخراج الصحفي.
أما فنون التورية وازدواج المعاني أو الهالات الانفعالية حول الألفاظ، وغيرها من فنون الأدب التي تؤدي إلى تداعي المعاني وخاصة في الشعر، فهي بعيدة تماما عن الفن الصحفي؛ لأنها تقطع تيار الاتصال الذي يجب أن يظل مجراه صافيا نميرا.
والواقع أن موقف قارئ الصحيفة يختلف عن موقف قارئ الكتاب. فبينما هو يقرأ الصحيفة بانتباه غير مركز كما يفعل في الحديقة أو القطار أو حتى في الأتوبيس وأثناء تناول الإفطار أو الغذاء، فإن قارئ الكتاب قد يكرس انتباهه ووقته للتركيز على ما يقرأ. ومن هنا كانت ضرورة عرض الأخبار بطريقة صحفية فنية واضحة متلاحمة جذابة تطغى على كل تداخل، ولا يجد القارئ صعوبة في متابعتها.
ويجب على الصحفي أن يضع في اعتباره التصميم محدود المساحة للعمود في الصحيفة والحروف الصغيرة التي تطبع بها وتكون من الصعوبة قراءتها -أحيانا- وخاصة لضعاف البصر. وهذه العوامل تهم الصحفي إلى حد كبير؛ إذ عليه أن يختار كلماته ويضعها في جمل وفقرات تساعد على استبعاد تداعي المعاني أو ازدواجها.