للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنّ هذا التأويل في كثير من المواضع أو أكثرها، وعامتها من باب تحريف الكلم عن مواضعه؛ من جنس تأويلات القرامطة والباطنية. وهذا هو التأويل الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، ورموا في آثارهم بالشهب"١.

وقال ابن قدامة -رحمه الله-: "إنّ الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ترك التأويل بما ذكرنا عنهم. وكذلك أهل كلّ عصر بعدهم، ولم ينقل التأويل إلا عن مبتدع أو منسوب إلى بدعة" ٢.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن المتأولة أنهم يزعمون أنّ النصوص الواردة في الصفات لم يقصد بها الرسول أن يعتقد الناس الباطل، ولكن قصد بها معاني، ولم يبين لهم تلك المعاني ولا دلهم عليها، ولكن أراد أن ينظروا فيعرفوا الحقّ بعقولهم، ثم يجتهدوا في صرف النصوص من مدلولها. ومقصوده امتحانهم وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوا كلامه عن مدلوله ومقتضاه ويعرف الحقّ من غير جهته. ثم قال -رحمه الله-: وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة ومن دخل معهم في شيء من ذلك٣.

وهؤلاء المؤولة منهم المقلّ ومنهم المكثر من التأويل؛ فالمعتزلة تنفي جميع الصفات، والأشاعرة يرون تأويل بعض الصفات، والجميع من الأشاعرة والمعتزلة يرون الإيمان بنصوص المعاد، وينكرون على الباطنية الذين يؤولونها، لكن للباطنية أن تلزمهم بتأويل نصوص المعاد قياساً على تأويلهم لنصوص الصفات، فيصبحوا مؤولة لجميع النصوص كالباطنية سواء


١ نقض المنطق ص٥٨. وانظر: الفتوى الحموية الكبرى ص٤٠. ومختصر الصواعق ص١١. وشرح الطحاوية ص٢٣٢-٢٣٧
٢ ذمّ التأويل ص٤٠.
٣ الفتوى الحموية الكبرى ص٣٨. وانظر كلام شيخ الإسلام عن معاني التأويل الثلاثة في التدمرية ص٩١-٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>