للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم بعض الطيبات بسبب ظلمهم ومعاصيهم؛ كما قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} ١، وقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} ٢؛ فإنهم أنكروا هذا، وقالوا: لم يحرم علينا إلا ما كان محرماً على إسرائيل، فكذبهم القرآن في ذلك في قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إلاّ مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} ٣. ومن ذلك كتم النصارى بشارة عيسى ابن مريم لهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد بينها تعالى بقوله: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} ٤، إلى غير ذلك من الآيات المبينة لما أخفوه من كتبهم"٥.

ثم يطرح -رحمه الله- سؤالاً، ويجيب عليه فيقول -رحمه الله-: "إن قيل: ما الفرق بين التوراة والقرآن؟ فإن كلا منهما كلام الله أنزله على رسول من رسله صلوات الله وسلامه عليهم. والتوراة حرفت وبدلت كما بيناه آنفاً، والقرآن محفوظ من التحريف والتبديل لو حرف منه أحد حرفاً واحداً فأبدله بغيره، أو زاد فيه حرفاً، أو نقص منه آخر، رد عليه آلاف الأطفال من صغار المسلمين فضلاً عن كبارهم. فالجواب: أن الله استحفظهم التوراة واستودعهم إياها فخانوا الأمانة، ولم يحفظوها، بل ضيعوها عمداً. والقرآن العظيم لم يكل الله حفظه إلى أحد حتى يمكنه


١ سورة النساء، الآية [١٦٠] .
٢ سورة الأنعام، الآية [١٤٦] .
٣ سورة آل عمران، الآية [٩٣] .
٤ سورة الصف، الآية [٦] .
٥ أضواء البيان ٢/٥٧-٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>