للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخطب فيهم حتى صلى العصر، ثم قام يخطب حتى صلى المغرب، وذكر أموراً كثيرة هائلة في ذلك اليوم، حفظها من حفظ، ونسيها من نسي١. وقد أخبر الله جلّ وعلا أنه هو المختص بعلم الغيب، حيث نفاه عن كلّ أحد سواه، وأثبته لنفسه، كما قال سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ٢"٣.

وقد سئل -رحمه الله-: أيجوز إطلاق علم الغيب على أحد من الرسل الذين أطلعهم الله على بعض المغيبات، كما يطلق على الذي يعلم مسائل الفقه أنه فقيه، أم لايجوز ذلك؟.

فأجاب -رحمه الله- على هذا السؤال إجابة مفصلة قال فيها: "إن ذلك لايجوز أبداً؛ لأن علم الغيب صفة مختصة بالله تعالى، وقد نفاها عن كل خلقه. وكونه يطلع بعض خلقه على بعض الغيب لا يقتضي أن يوصفوا بما وصف به، وليس هذا من تعظيم الرسل كما يزعم بعضهم، بل إن تعظيم الرسل في نفي علم الغيب عنهم؛ لأنهم هم الذين أخبرونا أن علم الغيب مختص بالله تعالى، وأنهم لا يعلمون إلا ما علمهم به هو. وفرق بعيد بين ما ذكر من كون من يعلم بعض المسائل الفقهية يطلق عليه أنه فقيه، وبين من أطلعه الله على بعض الغيب؛ فإن الأول علم مسائل الفقه بملكة راسخة فيه يستطيع بها أن يصل إلى علم المسائل باستمرار. أما الثاني فلا طريق له إلى الوصول إلى علم الغيب فيه إلا ما أخبره الله به. وهذا آخر الرسل وأفضلهم؛ نبينا صلى الله عليه وسلم, يقول الله تعالى عنه: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ


١ انظر صحيح مسلم ٤/٢٢١٧.
٢ سورة النمل، الآية [٦٥] .
٣ معارج الصعود، ص١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>