للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كلام وسط بين القولين: وهو أنّ الميت يسمع سماعا لايفيده؛ فقد قال -رحمه الله-: فإنّ قوله: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} ١ إنما أراد به السماع المعتاد الذي ينفع صاحبه؛ فإنّ هذا مثل ضرب للكفار، والكفار تسمع الصوت، لكن لا تسمع سماع قبول بفقه واتباع، كما قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعَاءً وَنِدَاءً} ٢، فهكذا الموتى الذين ضرب لهم المثل لا يجب أن ينفي عنهم جميع السماع المعتاد أنواع السماع كما لم ينف ذلك عن الكفار، بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به، وأما سماع آخر فلا ينفى عنهم"٣. وما قاله شيخ الإسلام -رحمه الله- هو الراجح فهم لا يستفيدون بهذا السماع٤.

والعجيب أنّ الشيخ الأمين -رحمه الله- نقل كلام شيخ الإسلام هذا ضمن أدلته على سماع الموتى، ثمّ بنى عليه حكما فقهيا، وهو ترجيحه جواز تلقين الميت٥ مع أنّ كلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول بأنّ الميت يسمع سماعا لايفيده، وقد سئل شيخ الإسلام -رحمه الله- عن تلقين الميت في قبره بعد الفراغ من دفنه: هل صحّ فيه حديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, أو عن صحابته..؟ فأجاب -رحمه الله-: "هذا التلقين المذكور قد نقل عن طائفة


١ سورة النمل، الآية [٨٠] .
٢ سورة البقرة، الآية [١٧١] .
٣ الفتاوى ٤/٢٩٨.
٤ ومما يؤيد ذلك أيضا ما ذهب إليه ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله- شارح الطحاوية قال: (ومن قال إن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده باعتبار سماعه كلام الله فهذا لم يصح عن أحد في الأئمة المشهورين ولاشك في سماعه ولكن انتفاعه بالسماع لايصح فإن ثواب الاستماع مشروط بالحياة فإنه عمل اختياري وقد انقطع بموته بل ربما يتضرر ويتألم لكونه لم يمتثل أوامر الله ونواهيه أو لكونه لم يزدد من الخير) شرح الطحاوية ص٥١٨.
٥ انظر أضواء البيان ٦/٤٣٥-٤٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>