للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنس والجنّ لله تعالى: فالإرادة الشرعية أعم مطلقاً، والإرادة الكونية أخص مطلقا؛ لأن كلّ فرد من أفراد الجنّ والإنس أراد الله منه العبادة شرعا، ولم يردها من كلهم كونا وقدرا؛ فتعمّ الإرادة الشرعية عبادة جميع الثقلين، وتختصّ الإرادة الكونية بعبادة السعداء منهم كما قدمنا من أنّ الدعوة عامة والتوفيق خاصّ؛ كما بينه تعالى بقوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ١؛ فصرح بأنه يدعو الكلّ ويهدي من شاء منهم. وليست النسبة بين الإرادة الشرعية والقدرية العموم والخصوص من وجه، بل هي العموم والخصوص المطلق كما بينا، إلا أنّ إحداهما أعمّ مطلقا من الأخرى باعتبار، والثانية أعمّ مطلقا باعتبار آخر كما بينا، والعلم عند الله تعالى"٢.

وقال الشيخ -رحمه الله- في موضع آخر: "إنّ الإرادة نوعان: كونية قدرية: وهي مشيئة الله وقوع الشيء أو عدم وقوعه.

وإرادة شرعية دينية؛ بحيث يطلب المراد باعتبار الشرع؛ بحيث لو أدى الإنسان ما أريد منه شرعا أثيب، وإن لم يؤد ذلك استحق العقاب والنكال والعذاب. والإرادة الشرعية لاتستلزم الإرادة الكونية القدرية؛ لأنّ النفوذ وعدمه يتعلق بالإرادة القدرية ولا يتعلق ذلك بالإرادة الشرعية. فالشيء الذي يراد إرادة شرعية مطلوب شرعا، لكن قد يريده الله كونا، وقد لايريده كونا وقدرا فلا يقع"٣.

وهذا التفريق بين الإرادة الكونية والشرعية هو معتقد أهل السنة والجماعة كما تقدم القول في ذلك. وممن ذكر هذا الفرق من علماء السلف: شيخ


١ سورة يونس، الآية [٢٥] .
٢ دفع إيهام الاضطراب ١٠/١٦٠-١٦١.
٣ معارج الصعود ص٣٠٢. وانظر دفع إيهام الاضطراب ١٠/١٢٩، ١٣٣، ١٥٩. وأضواء البيان ٧/٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>