للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقسيم الشيخ الأمين -رحمه الله- للهداية إلى هذين النوعين ليس بدعا، بل قد سبقه إليه أئمة السلف رحمهم الله؛ منهم الإمام ابن القيم -رحمه الله- الذي قال في توضيح نوعي الهداية: (قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} يتضمن طلب الهداية ممن هو قادر عليها، وهي بيده إن شاء أعطاها عبده، وإن شاء منعه إياها. والهداية معرفة الحقّ والعمل به، فمن لم يجعله تعالى عالما بالحق عاملا به لم يكن له سبيل إلى الاهتداء؛ فهو سبحانه المتفرد بالهداية الموجبة للاهتداء التي لايتخلف عنها؛ وهي جعل العبد مريدا للهدى محبا له مؤثرا له عاملا به. فهذه الهداية ليست إلى ملك مقرب ولانبيّ مرسل، وهي التي قال سبحانه فيها: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ١، مع قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ٢؛ فهذه هداية الدعوة والتعليم والإرشاد، وهي التي هدى بها ثمود فاستحبوا العمى عليها، وهي التي قال تعالى فيها: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} ٣؛ فهداهم هدى البيان الذي تقوم به حجته عليهم، ومنعهم الهداية الموجبة للاهتداء التي لايضلّ من هداه بها، فذاك عدله فيهم، وهذا حكمته؛ فأعطاهم ما تقوم به الحجة عليهم، ومنعهم ما ليسوا له بأهل ولايليق بهم) ٤.

وقال -رحمه الله- أيضاً يتكلم عن القسم الثاني من أقسام الهداية، ألا وهو تفضل الله على العبد بتوفيقه رحمة منه وفضلاً جل وعلا: "التوفيق هو أن لا يكلك الله إلى نفسك وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك، فالعبيد مقلبون بين توفيقه وخذلانه، بل العبد في الساعة الواحدة ينال


١ سورة القصص، الآية [٥٦] .
٢ سورة الشورى، الآية [٥٢] .
٣ سورة التوبة، الآية [١١٥] .
٤ شفاء العليل ص٥٣. وانظر: المصدر نفسه ص٦٥. وبدائع الفوائد ٢/٣٥. ولوامع الأنوار البهية ١/٣٣٤. وشرح العقيدة الطحاوية ص٥٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>