للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقادير الخلق قبل أن يخلق الخلق، وعلم أنّ قوما صائرون إلى الشقاء، وقوما صائرون إلى السعادة؛ فريق في الجنة وفريق في السعير. وأقام الحجة على الجميع ببعث الرسل وتأييدهم بالمعجزات التي لا تترك في الحقّ لبسا، فقامت عليهم حجة الله في أرضه بذلك. ثمّ إنه تعالى وفق من شاء توفيقه، ولم يوفق من سبق لهم في علمه الشقاء الأزلي، وخلق لكلّ واحد منهم قدرة وإرادة يقدر بها على تحصيل الخير والشر، وصرف قدرتهم وإرادتهم بقدرته وإرادته إلى ما سبق لهم في عمله من أعمال الخير المستوجبة للسعادة وأعمال الشر المستوجبة للشقاء. فأتوا كلّ ما أتوا، وفعلوا كلّ ما فعلوا طائعين مختارين غير مجبورين ولامقهورين: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ١، {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ٢"٣.

وبهذه الخلاصة الجامعة أبرز الشيخ الأمين -رحمه الله- عقيدة أهل السلف في القدر موضحا وسطية أهل السنة والجماعة بين الغالين والجافين.

وقد سبقه إلى بيان هذه الوسطية علماء أجلاء من أهل السنة والجماعة؛ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي قال: "اعلم أنّ العبد فاعل على الحقيقة وله مشيئة ثابتة، وله إرادة جازمة، وقوة صالحة. وقد نطق القرآن بإثبات مشيئة العباد في غير ما آية؛ كقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ٤، ونطق بإثبات فعله في عامة آيات القرآن: يعملون، يفعلون، يؤمنون، يكفرون، يتفكرون، يحافظون، يتقون. وكما أنا فارقنا مجوس الأمة بإثبات أنه تعالى خالق،


١ سورة الإنسان، الآية [٣٠] .
٢ سورة الأنعام، الآية [١٤٩] .
٣ أضواء البيان ٧/٢٢٣-٢٢٤.
٤ سورة التكوير، الآية [٢٨] .

<<  <  ج: ص:  >  >>