للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنفوس البشرية فطرت على هذا النوع من التوحيد، لكن لما وردت عليها المؤثرات الخارجية من الشهوات والشبهات خالفت فطرتها السليمة التي جبلها الله عليها.

وقد أوضح الشيخ -رحمه الله- أنّ إنكار هذا النوع من التوحيد إنما هو عناد ومكابرة من عارف؛ فقال -رحمه الله-: "أما تجاهل فرعون –لعنه الله- لربوبيته جلّ وعلا في قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} ١فإنه تجاهل عارف؛ لأنه عبدٌ مربوب؛ كما دلّ عليه قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ} الآية٢، وقوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} ٣ ٤.

وأكد -رحمه الله- أن الإتيان بهذا النوع من التوحيد لايفيد إلا إذا ضم إليه توحيد الألوهية؛ فكفار مكة لم ينفعهم الإقرار بالربوبية، حيث إنهم أشركوا في الألوهية: فقال -رحمه الله- عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّت} . .إلى قوله: {فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} ٥-: صرح الله تعالى في هذه الآية الكريمة بأن الكفار يقرون بأنه جل وعلا هو ربهم الرازق المدبر للأمور، المتصرف في ملكه بما يشاء. وهو صريح في اعترافهم بربوبيته، ومع هذا أشركوا به جل وعلا، والآيات الدالة على أن المشركين مقرون بربوبيته جل وعلا –ولم ينفعهم ذلك لإشراكهم معه غيره في حقوقه جل


١ سورة الشعراء، الآية [٢٣] .
٢ سورة الإسراء، الآية [١٠٢] .
٣ سورة النمل، الآية [١٤] .
٤ أضواء البيان ٢/٤٨٢. وانظر: المصدر نفسه٣/٤١٠،٦/٣٧٤،والمعين والزاد ص٦٥.
٥ سورة يونس، الآية [٣١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>