للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب الطلاق.

اركانه صِيغَةٌ وَمَحَلٌّ وَوِلَايَةٌ وَقَصْدٌ وَمُطَلِّقٌ وَشَرَطَ فِيهِ تكليف إلا سكران وَاخْتِيَارٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ وَإِنْ لَمْ يور وشرط الإكراه قدرة مكره على ما هدد به عاجلا ظلما وعجز مكره عن دفعه وظنه إن امتنع حققه ويحصل بتخويف بمحذور كضرب شديد فإن ظهر قرينة اختيار كأن أكره على ثلاث أو صريح وتعليق أو طلقت أو طلاق مبهمة فخالف وقع وفي الصِّيغَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى فِرَاقٍ صَرِيحًا أَوْ كناية فيقع بصريحه بلا نية وهو مشتق طلاق وفراق.

ــ

كِتَابُ الطَّلَاقِ.

هُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ وَشَرْعًا حَلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَالْأَصْلُ فيه قبل الإجماع الكتاب كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ١ وَالسُّنَّةُ كَخَبَرِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الطَّلَاقِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

" أَرْكَانُهُ " خَمْسَةٌ " صِيغَةٌ وَمَحَلٌّ وَوِلَايَةٌ وَقَصْدٌ وَمُطَلِّقٌ وَشَرَطَ فِيهِ " أَيْ فِي الْمُطَلِّقِ وَلَوْ بِالتَّعْلِيقِ " تَكْلِيفٌ " فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ لِخَبَرٍ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ" " إلَّا سَكْرَانُ " فَيَصِحُّ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَلِأَنَّ صِحَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَأَجَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ٢ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ فِي تَكْلِيفِ السَّكْرَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ فِي أوائل السكر وَهُوَ الْمُنْتَشِي لِبَقَاءِ عَقْلِهِ وَانْتِفَاءِ تَكْلِيفِ السَّكْرَانِ لِانْتِفَاءِ الْفَهْمِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ وَالْمُرَادُ بِالسَّكْرَانِ الَّذِي يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَنِكَاحُهُ وَنَحْوُهُمَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَا أَثِمَ بِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ وَيَرْجِعُ فِي حَدِّهِ إلَى الْعُرْفِ فَإِذَا انْتَهَى تَغَيُّرُ الشَّارِبِ إلَى حَالَةٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّكْرَانِ عُرْفًا فَهُوَ مَحَلُّ الْكَلَامِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ "وَاخْتِيَارٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ وَإِنْ لَمْ يور " لإطلاق خبر لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ أَيْ إكْرَاهٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالتَّوْرِيَةُ كَأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ أَوْ يَنْوِيَ بِالطَّلَاقِ حَلَّ الْوَثَاقِ أَوْ بِطَلَّقْتُ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا.

" وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ مُكْرِهٍ " بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ عَاجِلًا ظُلْمًا وَعَجْزُ مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ " عَنْ دَفْعِهِ " بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ كَاسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِهِ " وَظَنَّهُ " أَنَّهُ " إنْ امْتَنَعَ " مِنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ " حَقَّقَهُ " أَيْ مَا هَدَّدَ بِهِ " وَيَحْصُلُ " الْإِكْرَاهُ " بِتَخْوِيفٍ بمحذور كضرب شديد " أو حبس أَوْ إتْلَافِ مَالٍ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ فَلَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِالتَّخْوِيفِ بِالْعُقُوبَةِ الْآجِلَةِ كَقَوْلِهِ لَأَضْرِبَنَّكَ غَدًا وَلَا بِالتَّخْوِيفِ بِالْمُسْتَحَقِّ كَقَوْلِهِ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ طَلِّقْهَا وَإِلَّا اقْتَصَصْت مِنْك وَهَذَانِ خَرَجَا بِمَا زِدْته بِقَوْلِي عَاجِلًا ظُلْمًا.

" فَإِنْ ظَهَرَ " مِنْ الْمُكْرَهِ " قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ " مِنْهُ لِلطَّلَاقِ " كَانَ " هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ " أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ " مِنْ الطَّلْقَاتِ " أَوْ " عَلَى " صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ أَوْ " عَلَى أَنْ يَقُولَ " طَلَّقْت أَوْ " عَلَى " طَلَاقِ مُبْهَمَةٍ " وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي " فَخَالَفَ " بِأَنْ وَحَّدَ أَوْ ثنى أو كنى أو نجز أو صرح أَوْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً " وَقَعَ " الطَّلَاقُ بَلْ لَوْ وَافَقَ الْمُكْرَهُ وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ لِاخْتِيَارِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقْ زَوْجَتِي وَإِلَّا قَتَلْتُك " وَ " شَرْطٌ " فِي الصِّيغَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى فِرَاقٍ صريحا أو كنابة فَيَقَعُ بِصَرِيحِهِ " وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غير الطلاق " بِلَا نِيَّةٍ " لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فَلَا يُنَافِيه مَا يَأْتِي مِنْ اعْتِبَارِ قَصْدِ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ " وهو " أي صريحه مع مشتق المفاداة.


١ سورة البقرة الآية: ٢٢٩.
٢ سورة النساء الآية: ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>