للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكره لحر ما كسب بمخامرة نجس كحجم وسن أن يناوله مملوكه وعلى مضطر سد رمقه من محرم وجده فقط وليس نبيا إلا أن يخاف محذورا فيشبع وله قتل غير آدمي معصوم لأكله ولو وجد طعام غائب أكل وغرم أو حاضر مضطر لم يلزمه بذله فإن آثر مسلما جاز أو غير مضطر لزمه لمعصوم بِثَمَنِ مِثْلٍ مَقْبُوضٍ إنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي ذمة ولا.

ــ

" وَمَا جُهِلَ اسْمُهُ عُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ " أَيْ الْعَرَبِ لَهُ مِمَّا هُوَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ " وَحَرُمَ مُتَنَجِّسٌ " أَيْ تَنَاوُلُهُ مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا لِخَبَرِ الْفَأْرَةِ السَّابِقِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ " وَكُرِهَ جَلَّالَةٌ " وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ مِنْ نَعَمٍ وَغَيْرِهِ كَدَجَاجٍ أَيْ كُرِهَ تَنَاوُلُ شيء منها كلبنها وبيضها ولحمها وكذار كوبها بِلَا حَائِلٍ فَتَعْبِيرِي بِهَا أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِلَحْمِهَا هَذَا إنْ " تَغَيَّرَ لَحْمُهَا " أَيْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ وَتَبْقَى الْكَرَاهَةُ " إلَى أَنْ يَطِيبَ " لَحْمُهَا بِعَلَفٍ أَوْ بِدُونِهِ " لَا بِنَحْوِ غَسْلٍ " كَطَبْخٍ وَمَنْ اقْتَصَرَ كَالْأَصْلِ عَلَى الْعَلَفِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لِخَبَرٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وشرب لبنها حتى تعلف أربعين ليلة وراه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ زَادَ أَبُو دَاوُد وَرُكُوبِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِتَغَيُّرِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ كلحم المذكي إذ أَنْتَنَ وَتَرَوَّحَ أَمَّا طِيبُهُ بِنَحْوِ غَسْلٍ فَلَا تَزُولُ بِهِ الْكَرَاهَةُ.

" وَكُرِهَ لِحُرٍّ " تَنَاوُلُ " مَا كسب " أي كسبه حر أو غيره " بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ كَحَجْمٍ " وَكَنْسِ زِبْلٍ أَوْ نَحْوِهِ بخلاف الفصد والحياكة ونحوهما وخرج بزيادتي لِحُرٍّ غَيْرُهُ " وَسُنَّ " لَهُ " أَنْ يُنَاوِلَهُ مَمْلُوكَهُ " مِنْ رَقِيقٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِيُطْعِمُهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَى عَنْهُ وَقَالَ: " أَطْعِمْهُ رَقِيقَك وَأَعْلِفْهُ نَاضِحَك" رواه ابن حبان وصححه الترمذي وَحَسَّنَهُ وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ وَالْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى شَرَفُ الْحُرِّ وَدَنَاءَةُ غَيْرِهِ قَالُوا وَصَرْفُ النَّهْيِ عَنْ الْحُرْمَةِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ فَلَوْ كَانَ حرا ما لَمْ يُعْطِهِ " وَعَلَى مُضْطَرٍّ " بِأَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَحْذُورًا كَمَوْتٍ وَمَرَضٍ مَخُوفٍ وَزِيَادَتِهِ وَطُولِ مُدَّتِهِ وَانْقِطَاعِ رُفْقَةٍ مِنْ عَدَمِ التَّنَاوُلِ " سَدُّ رَمَقِهِ " أَيْ بَقِيَّةِ رُوحِهِ " مِنْ مُحَرَّمٍ " غَيْرِ مُسْكِرٍ كَآدَمِيٍّ مَيِّتٍ " وَجَدَهُ فَقَطْ" أَيْ دُونَ حَلَالٍ " وَلَيْسَ نَبِيًّا " فَلَا يَشْبَعُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ حَلَالًا قَرِيبًا لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِذَلِكَ " إلَّا أَنْ يَخَافَ مَحْذُورًا " إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ " فَيَشْبَعَ " وُجُوبًا بِأَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَكْسِرَ سَوْرَةَ الْجُوعِ لَا بِأَنْ لَا يَبْقَى لِلطَّعَامِ مَسَاغٌ فَإِنَّهُ حَرَامٌ قَطْعًا أَمَّا النَّبِيُّ فَلَا يَجُوزُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ لِشَرَفِ النُّبُوَّةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ كَافِرًا وَلَيْسَ لِمُضْطَرٍّ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ أَكَلٌ مِنْ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ وَكَذَا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ حَتَّى يَتُوبَ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَمِثْلُهُ مُرَاقُ الدَّمِ كَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَةَ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ قُدِّمَتْ مَيْتَةُ غَيْرِهِ وَمَيْتَةُ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ لَا يَجُوزُ طَبْخُهَا وَلَا شَيُّهَا لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ وَقَوْلِي فَقَطْ وَلَيْسَ نَبِيًّا مِنْ زِيَادَتِي وَتَعْبِيرِي بِالْمُضْطَرِّ وَالْمَحْذُورِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَا ذَكَرَهُ.

" وَلَهُ " أَيْ لِلْمُضْطَرِّ " قَتْلُ غَيْرِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ " وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قود ومرتد وحربي وَلَوْ صَبِيًّا وَامْرَأَةً " لِأَكْلِهِ " لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ قَتْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ لَا لِعِصْمَتِهِمَا وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَاتِلِهِمَا أَمَّا الْآدَمِيُّ الْمَعْصُومُ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَمُسْتَأْمَنًا وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ قَتْلُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ " وَلَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَائِبٍ أَكَلَ " مِنْهُ وُجُوبًا " وَغَرِمَ " قِيمَةَ مَا أَكَلَهُ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَمِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَكْلِ طَاهِرٍ بِعِوَضِ مِثْلِهِ سواء قدر عَلَى الْعِوَضِ أَمْ لَا لِأَنَّ الذِّمَمَ تَقُومُ مَقَامَ الْأَعْيَانِ " أَوْ " طَعَامَ " حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ " لَهُ " لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ " بِمُعْجَمَةٍ لَهُ نَعَمْ إنْ كَانَ نَبِيًّا وَجَبَ بَذْلُهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ.

" فَإِنْ آثَرَ " فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضْطَرًّا " مُسْلِمًا " مَعْصُومًا " جَازَ " بَلْ نُدِبَ وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ١ وَهَذَا مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَالْبَهِيمَةُ فَلَا يَجُوزُ إيثَارُهُمَا لِكَمَالِ شَرَفِ الْمُسْلِمِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْآدَمِيِّ عَلَى الْبَهِيمَةِ " أَوْ " طَعَامَ حَاضِرٍ " غَيْرِ مُضْطَرٍّ " لَهُ " لَزِمَهُ " أَيْ بَذْلُهُ " لِمَعْصُومٍ " بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ وَتَعْبِيرِي بِمَعْصُومٍ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ " بِثَمَنِ مِثْلٍ مَقْبُوضٍ إنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي ذِمَّةٍ " لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا ثَمَنِ مِثْلٍ وقولي في ذمة أعم من تعبيره.


١ سورة الحشر الآية: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>