فأما المجنون والطفل الذي لا يميز فأقواله كلها لغو في الشرع لا يصح منه إيمان ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا شيء من الأقوال باتفاق المسلمين، وكذلك النائم إذا تكلم في منامه فأقواله كلها لغو، سواء تكلم المجنون والنائم بطلاق أو كفر أو غيره..، والذي تدل عليه النصوص وأقوال الصحابة أن أقواله "أي السكران" هدر كالمجنون لا يقع بها طلاق ولا غيره، فإن الله تعالى قد قال:{حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء: ٤٣] فدل على أنه لا يعلم ما يقول، والقلب هو الملك الذي تصدر الأقوال والأفعال عنه، فإذا لم يعلم ما يقول لم يكن ذلك صادراً عن القلب، بل يجري مجرى اللغو، والشارع لم يرتب المؤاخذة إلا على ما يكسبه القلب من الأقوال والأفعال الظاهرة كما قال:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[البقرة: ٢٢٥] ولم يؤاخذ على أقوال وأفعال لم يعلم بها القلب ولم يتعمدها. انتهى.
قلت: ويدخل في هذا الأصل الناسي والمخطئ فلا يترتب على أقوالهما وأفعالها حكم لأنهما غير قاصدين إلا فيما أتى فيه الدليل بترتيب حكم على الناسي أو المخطئ.
والجاهل مثلهما أيضا لا يترتب على قوله أو فعله حكم لأن التكليف مشروط بالعلم كما تقدم، إلا فيما أتى الدليل بترتيب حكم على فعله أو قوله.