الوجه الثاني: أن اليهود لم ينفقوا بعين الشحم، وإنما أنفقوا بثمنه، ويلزم من راعى الصور والظواهر والألفاظ دون الحقائق والمقاصد أن لا يحرم ذلك فلما لعنوا على استحلال الثمن وإن لم ينص على تحريمه علم أن الواجب النظر في الحقيقة والمقصود لا إلى مجرد الصورة، ونظير هذا أن يقال لرجل: لا تقرب مال اليتيم فيبيعه ويأخذ عوضه ويقول: لم أقرب ماله. انتهى ملخصاً.
وقال أيضا "٣/١٣٦": إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفاً ودلالة على ما في نفوسهم فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئا عرفه بمراده وما في نفسه بلفظه، ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكاماً بواسطة الألفاظ، ولم يرتب تلك الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول، ولا على مجرد ألفاظ مع العلم أن المتكلم بها لم يرد معانيها، ولم يحط بها علما، بل تجاوز للأمة عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به، أو تكلم به، وتجاوز لها عما تكلمت به مخطئة أو ناسية، أو مكروهة، أو غير عالمة به إذا لم تكن مريدة لمعنى ما تكلمت به، أو قاصدة إليه، فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتب الحكم، هذه قاعدة الشريعة وهي من مقتضيات عدل الله وحكمته ورحمته، فإن خواطر القلب وإرادة النفوس لا تدخل تحت الاختيار فلو ترتبت عليها الأحكام مكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة ورحمة الله تأبى ذلك. انتهى.