الله تعالى:{فَلا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ}[الإسراء: ٢٣] . لفظ الآية يدل بالتنبيه عند سماعه على أن الضرب أولى بالمنع من التأفيف..، ويلي ما ذكرناه في البيان أن يذكر صفة فيفهم من ذكرها المعنى الذي تتضمنه تلك الصفة من غير وجه التنبيه على غيرها،.. عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينبغي للقاضي يقضي بين اثنين وهو غضبان"..، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها". المفهوم بضرب من الفكر في هذين الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منع من الغضبان من القضاء لاشتغال قلبه في تلك الحال وأن حكم الجائع والعطشان مثله، وأنه إنما أمر بإلقاء ما حول الفأرة من السمن إن كان جامداً لينتفع بما سواه إذا لم تخالطه النجاسة، وأن الشبرج والزيت مثله في الحكم، وأما دلالة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أن يفعل شيئا عند وقوع معنى من جهته أو من جهة غيره فيعلم أنه لم يفعل ذلك إلا لما ظهر من المعنى فيصير علة فيه، وهذا مثل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهى فسجد فيعلم أن السهو علة للسجود..، وأما الضرب الثاني من الدليل على صحة العلة فهو الاستنباط وذلك من وجهين أحدهما التأثير والثاني شهادة الأصول، فأما التأثير فهو أن يوجد الحكم لوجود معنى فيغلب على الظن أنه لأجله ثبت الحكم،.. وأما شهادة الأصول، فتختص بقياس الدلالة مثل أن يقول في أن القهقهة في الصلاة لا تنقض الوضوء، ما لا ينقض الطهر خارج الصلاة لا ينقضه داخل الصلاة كالكلام فيدل عليها بأن الأصول تشهد بالتسوية بين داخل الصلاة وخارجها في هذا المعنى. انتهى.