ومع ذلك فهذا القانوني الذي يظن بالتشريع الإِسلامي التخلف عن القانون الغربي يعترف بأنه لم يدرس الشريعة الإِسلامية إلَّا في وقت حديث متأخر جداً، حين اشترك في وضع القانون المدني العراقي، فأتيح له الاطلاع على بعض نصوص الفقه الإِسلامي. وهو هنا يعترف اعترافاً صريحاً بأن اطلاعه على الفقه الإِسلامي جديد تاريخاً، ومحدود موضوعاً، لا يتجاوز ما أتيح له أثناء اشتراكه في لجان وضع القانون العراقي، وأنه لم يمنحه من وقته سنة من عشرات السنين التي أفناها في دراسة القانون الفرنسي. والواقع أن هذا الجهل بالشريعة الإِسلامية يعلل فتنته بالقوانين الغربية، التي حدث به إلى المجاهرة بأن تكون روح التقنين الغربي وأسلوبه هما قِوام نهضة التشريع الإِسلامي، وهو بذلك معذور لجهله حسب اعترافه، ومن جَهِلَ شيئاً عاداه. ولكن من الظلم للناس وللِإسلام وللقانون أن يسلم زمام التشريع البلاد الإِسلامية إلى الذين يجهلون شريعتها. ومن الواضح أن الرجل حين رأس لجان القانون المدني الجديد في مصر لم يكن على معرفة بالشريعة الإِسلامية, لأنه إنما اتصل بها حسب اعترافه أثناء اشتراكه في لجان القانون المدني العراقي، وقد كان ذلك بعد وضع القانون المدني المصري الجديد. واعترافه في هذا الصَدَد صريح، إذ يقول (وأكثر ما كان درسي للفقه الإِسلامي عند وضع القانون المدني العراقي. فإِن هذا القانون كما قدمت مزيج صالح من الفقه الإِسلامي والقانون المصري الجديد. فأتاح لي اطلاعي على نصوص الفقه الإِسلامي - سواء كانت مقننة في المجلة (١) ومرشد الحيران، أو كانت معروضة عرضاً فقهياً في أمهات الكتب وفي مختلف المذاهب - أن ألحظ مكانة هذا الفقه وحظه من الأصالة والابتداع، وما يكمن فيه من حيوية وقابلية للتطور - ص ٢٢).
ويرسم كاتب المقال منهجاً يقترحه لدراسة الفقه الإِسلامي (لإِحيائه والنهضة به نهضة علمية صحيحة) حسب زعمه. فيقرر في بدء كلامه أن
(١) المقصود هو (مجلة الأحكام العدلية) التي أصدرتها الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع غر متضمنة صياغة الأحكام الإِسلامية - على المذهب الحنفي - في شكل مواد على النمط الغربي.