للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والأناشيد وأنماط الأزياء والعلامات والأشعرة. تفعل ذلك لتميِّز نفسها من غيرها فلا تضل في الزحام ولا تذوب عند الاختلاط، ولا تنحلَّ رابطتها عند الصادمة والنزال.

وللعرب طابع يميزهم، ولهم شخصية قد ضلوا عنها في عصور الضعف والخمول وأضلهم عنها المستبعِدون وأذنابهم. ولن تتحقق لهم نهضة إلَّا إذا أحيوا هذه الشخصية، وتمسكوا بمقوماتها، وتعصبوا لرموزها وشاراتها، وميزوا أنفسهم بطابعهم الخاص. وسيظلون بغير ذلك أذناباً للمستعبدين ينقادون ولا يقودون، وأبواقاً ينشرون ما يلقى إليهم من قول ويرددونه في الأجواء، لا يزيد عملهم فيه عن مجرد تضخيمه. ذلك لأنهم إلا يبتكرون حتى يحسوا في أنفسهم القدرة على الابتكار، وحتى يكونوا جميعاً متماسكين فيتولد من اجتماعهم وتماسكهم قوة. وهم لا يحسُّون القدرة على الابتكار إلَّا إذا استيقنوا أنهم عريقون في هذا الباب. ولا يجتمعون ويتماسكون إلَّا إذا عرفوا خصائصَهم الأصيلة التي تمنعهم من أن يذوبوا في غيرهم فتذهب قواهم شَعَاعاً وتتفرق بَدَداً.

لا يبلغ العرب درجة الأستاذية في هذه العلوم الجديدة التي أذلّهم عدوهم بتفوقه عليهم فيها إلَّا إذا أصبحت هذه العلوم ملكاً لهم، وهم لا يملكون هذه العلوم ولا يحسون أنها علوم عربية إلَّا إذا قرءوها بالعربية وكتبوها بالعربية. وسيظلون يحسون أنهم غرباء عليها وأنهم متطفلون على أصحابها - طالما ظلوا يقرءونها ويكتبونها بغير لغتهم.

ولكن اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية، وعلى رأسها طه حسين الذي تشهد كتبُه أنه لم يكن إلَّا بوقاً من أبواق الغرب، وواحداً من عملائه الذين أقامهم على حراسة السجن الكبير، يروِّج لثقافاته ويعظمها، ويؤلف قلوب العبيد ليجمعهم على عبادة جلاديهم. طه حسين الذي لم يملّ من الكلام عن جامعة البحر الأبيض المتوسط، التي دعت إليها فرنسا بالأمس والتي تدعو إليها أمريكا اليوم. طه حسين الذي يزعم لمصر أنها جزء من البحر الأبيض التوسط في مقوِّمات شخصيتها, وليست جزءاً من عرب نجد واليمن والبحرين والعراق والسودان. طه حسين الذي لم يَبْدُ العربُ في وهمه أمة،

<<  <   >  >>