الشاعر والناقد، أم هو عالم اللغة؟ أليس الأسهل تعميم الفصحى القائمة الموجودة الموروثة بدل التواضع على فصحى جديدة نقيد بها الكتّاب والمؤلفين، مع وجود لغة متواضع عليها هي حقيقة قائمة ثابتة حية ماثلة فيما يتداول العرب جميعاً من كتب ومن صحف يلتقون ويلتقي معهم المسلمون من غير العرب عند فهمها والتعبير بها، وهي نفسها اللغة التي تفاهم بها العرب في مؤتمرهم هذا والتي عبر بها صاحب هذا الاقتراح العجيب ففهمنا وفهم كل الناس عنه؟.
واقتراح أحمد عبد السلام مندوب حكومة تونس قريب من اقتراح مندوب حكومة الأردن السابق حتى لكأن شيطانهما واحد. فهو يقترح على المجامع اللغوية (أن تؤلّف لكل قطر معجمًا صغيراً لا يتضمن إلا الألفاظ العربية الفصيحة التي بقيت مستعملة بمعناها الأصلي في لغة ذلك القطر، وأن يوصى معلمو الأحداث والعامة بالاقتصار عليها قدر المستطاع (١) - ص ٢٠٨). واقتراحه هذا ينتهي إلى إيجاد لغات عربية متعددة تمثلها هذه المعاجم المقترحة التي تحيى دارس اللهجات وميت اللغات بعد أن جمع الله العرب - بل المسلمين - على فصحى القرآن. ويزيد في توسيع الهوة بين هذه المعاجم أن صاحب هذا الاقتراح يوصي بالتوسع في قبول الكلمات المولدة والدخيلة فيها، كما يوصي (لزيادة الخبرة بعربيتنا وبمدى حيويتها، أن يشتغل عدد من علمائنا باللغات العامية وأن يدرسوها دراسة دقيقة - ص ٢٠٩) وهو يخفي حقيقة أهدافه وخطورة آرائه بالقناع الذي يتقنع به طه حسين وشيعته حين يتظاهرون بعدائهم للعامية ثم يزعمون للناس أن هناك خطراً على العربية الفصحى أن يهجرها الناس إلى العامية إذا لم تخضع لما يسعون إليه من تطور مزعوم!
والذي يفضح هؤلاء الناس ويكشف عن مصدر هذه الوساوس في نفوسهم وحقيقة الذي ألقى هذه الأوهام في رؤوسهم وحرَّك بها ألسنتهم ودفعهم إلى ترويجها هو أنك تجد فريقاً منهم يفكرون بالانجليزية أو بالفرنسية
(١) وهذه الروح نفسها هي التي سادت في فترة من الزمن كتب المرحلة الابتدائية المشهورة بكتب "شرشر" التي أشرف عليها عبد العزيز القوصي.