ثم يترجمون تفكيرهم إلى العربية. تجد ذلك في محاضرات أنيس فريحة عن (اللهجات وأسلوب دراستها)، التي نشرها معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية، حين يفكر للغة العربية باللغة الانجليزية ويريد أن يُلبِس لغتنا أثواباً لم تُقَدَّ على قَدِّها ولم تجُعَل لها، إذ يُثبِت الاصطلاح الإِنجليزي ثم يصطنع له اصطلاحاً عربياً يقابله. وتجده كذلك في محاضرة منير العجلاني التي ألقاها في مؤتمرنا هذا عن (رابطة اللغة والأمة ص ٢١٧ - ٢٢٧)، حين يصب تفكيره في قوالب فرنسية، فلا يكاد يأخذ في تعريف الدولة أو الحكومة أو الأمة أو الشعب أو أثر اللغة في وحدة الأمة حتى يبني كلامه على رأي لهريو أو رينان أو ماتسيني أو فلان وفلان من أصحاب المذاهب الغربية عموماً والفرنسية بخاصة. ومنير العجلاني هذا لا يعترف بأن الإِسلام رحِمٌ وصلةٌ بين المسلمين وأنه جامعة من أوثق الجامعات, لأنه يجري في تعريف القومية العربية على قياسها بمقاييس أوروبا اللادينية التي روّجها اليهود منذ الثورة الفرنسية اليهودية. يقول عند كلامه عن الدين بوصفه عنصراً من مقوِّمات القومية:(كان الدين في العصور الوسطى يجمع الشعوب ويفرقها, ولكن أثره في تكوين الأمم تضاءل في الزمان الحاضر. وربما أسقطه غلاة القومية من حسابهم - ص ٢٢٤).
وترديد المحاضر لاصطلاح "العصور الوسطى" هو أثر من آثار الاستعباد الغربي الذي يخضع له تفكيره. فتعبير "العصور الوسطى" تعبير أوروبي يقترن في أذهان أصحابه بالتخلف والهمجية؛ لأنه يقترن بالظلم والنظام الإِقطاعي وبالرق وباستبداد الكنيسة وطغيانها. والذين يفكرون برؤوس الأوربية يستعملون هذا الاصطلاح بمعناه ذاك، رغم الاختلاف الواضح بين ظروفنا وظروفهم. فالعصور الوسطى تقابل عندنا عصر الرسالة المحمدية وأزهى عصور الإِسلام. فهي بالقياس إلى العربي وإلى المسلم عصر النور والمجد والعدل، في الوقت الذي يعتبرها الأوروبي عصر الظلام والظلم والتخلف. أليس ذلك ضرباً من ضروب الاستعباد الفكري، وهو شر ألوان الاستعباد، بل هو أخطر ما خلفه الاستعباد الفرنسي والاستعباد الإِنجليزي في الشعوب الإِسلامية التي استعبدوها.