الاستقرار والحرص على جمع الشمل؟ وهل عاق ذلك عرب بغداد وعرب الأندلس عن الافتنان في القول وفي مذاهب الفن؟ وهل ضاقت معه عربية البدو عن الاتساع لما نقل العرب وما استحدثوا من معارف وعلوم؟.
أما ما جاء على لسان بعض المشتركين في هذا المؤتمر مثل أحمد حسن الزيات (ص ٨١ - ٨٨). ومنصور فهمي (ص ٢٤١ - ٢٥٦) في تصوير انحراف مجمع اللغة العربية عن القصد فليس إلا قليلاً من كثير. ومن شاء فليرجع إلى مجلة المجمع ليرى صورة أوضح وأكثر تفصيلاً لما يُهدَر من جهد في الكلام عن العامية وعن مسخ الخط العربي وقواعد النحو. أليس ذلك عجباً من العجب؟ وأعجب منه أن يصير إلى مركز القيادة في ذلك الحصن رجل يشهد ماضيه الثابت المسجَّل فيما نُشِر على الناس من صحف أنه كان حرباً على الجامعة الإِسلامية وعلى الجامعية العربية لا يراهما إلا وهماً من الأوهام، وأنه كان أول من رفع صوته بالدعوة إلى تمصير اللغة العربية. ألمثل هذه الغاية يَعمَل مجمع القاهرة وقد دارت الأيام واستقام عِوَجُ الزمان؟
أما ما زعمه علي حسن عوده مندوب حكومة الأردن في المؤتمر - أو ما تخيله - من أن هدفنا هو توحيدُ العامية والفحصى وجعلهما لغة واحدة فهو خطأ أساسي في تصور الموضوع. فليس مطلوباً أن تصبح لغة الحديث والأسواق والتعامل بين الناس هي نفُسها لغةَ الشعر والأدب والعلم والفلسفة, لأن التعامل يحتاج إلى لغة سريعة الوفاء بالغرض، ولكنه لا يحتاج إلى لغة دقيقة كحاجة العلم إليها, ولا يحتاج إلى لغة جميلة مؤثرة كحاجة الشعر والأدب عموماً إليها. إذ يكفي في لغة التعامل أن يَفهم بعضُ الناس عن بعض من أقرب طريق وأخصره. وقد يستعين المتعاملون على إتمام ما في العامية من قصور بإِشارات اليدين وبتلوين نغمة الكلام وتنويعها، وبالتعبير بقسمات الوجه. ومن الواضح أن لغة الأسواق لا تناسبها لغة راقية معقدة التركيب - ككل ما هو راق، فالبساطة تلازم الحالات الفطرية الساذجة - لأن قواعد اللغة الراقية تضيع وقت المتعاملين الذين لا يحتاجون للدقة أو الجمال حاجتهم إلى السرعة. فاستعمالهم الفصحى في التعامل يشبه استعمال الموازين الدقيقة التي يوزن بها الذهب والأحجار الكريمة في وزن الخبز والملح،