وفي الاذاعة وفي المحافل والمجامع على إختلافها. ولا أظنني محتاجاً إلى أن أنبه للخطورة التي ينطوي عليها اقتراح مندوب تونس. وما أظن أن أحداً سينخدع بما يبدو في ظاهر قوله من البراءة حين يتظاهر - مِثْلَ طه حسين - بأنه معارض في استعمال اللغة العامية للكتابة الأدبية، وحين يشترط في المعاجم المقترحة أن (لا تتضمن - إلا الألفاظ العربية الفصيحة التي بقيت مستعملة بمعناها الأصلي في لغة ذلك القطر - ص ٢٠٨). فالمهم في الأمر هو أن معاجم اللغة العربية سوف تختلف باختلاف بلاد العرب وأقطارهم، وأن المعجم التونسي والمعجم المصري والمعجم العراقي والمعجم الشامي والمعجم الحجازي والمعجم اليمني سوف تصبح بتنفيذ هذا الاقتراح حقيقة واقعة. وهذه المعاجم المقترحة نفسها سوف تصبح بدورها موضع تنقيح وتغيير وتعديل، وسوف ينأى بها كل تنقيح جديد عن أصلها الأول، حتى يتناكر المتعارفون ويتفرق المجتمعون ثم لا يُرجَى لصدْعهم رَأْب. ذلك هو الضمير المظلم الذي يبدأ بدعوةٍ خلابة براقة بريئة الظاهر إلى دراسة اللهجات والعناية بما يسمون تمويهاً على الشعوب بالآداب الشعبية.
وقد اعتمد طه حسين على هذا الأسلوب نفسه في الدعوة إلى تبديل النحو والخط حين قال (إنْ أبينا إلا أن نمضي كما كان النحو وكما كانت الكتابة فلا بد أن تنشأ عن هذه اللغة العربية الفصحى القديمة لغات مختلفة كما نشأت الفرنسية والايطالية والبرتغالية عن اللغة اللاتينية القديمة - ص ٢٣٨). وهو يخدع الناس عن حقيقة ما يدعوهم إليه حين يعقب ذلك بقوله:(وبعد فلا أدعو أن تهجروا القديم مطلقاً، وعسى أن أكون من أشد الناس محافظة على قديمنا العربي، ولا سيما في الأدب واللغة. ولكن لمَ لا يكون النحو القديم والكتابة القديمة والبلاغة القديمة وكل هذه العلوم العربية التي أُنشئت في عصرٍ غير هذا العصر الذي نعيش فيه ... لم لا يكون هذا كله متطوراً كما تطورت اللغة؟ نحفظ قديمه لدرس المتخصصين في الجامعات وفي المعاهد وتتيح للملايين البائسة من الصبية والشباب أن يتعلموا تعلمًا قريباً سهلاً - ص ٢٣٨).
والعجيب في الأمر أن منصور فهمي يشيد بعد ذلك فيما أحصاه من