محاسن مجمع القاهرة بجهوده في (تيسير النحو والصرف والإِملاء) و (دراسة اللهجات العربية) و (تيسير الكتابة والخط). فهك أصبحت مهمة مجمع اللغة العربية في القاهرة هي دراسة اللهجات العامية وتبديلَ قواعد النحو والصرف والإِملاء والكتابة بحيث يصبح أي أثر من آثارنا طلسمًا من الطلاسم؟ بل بحيث يكون هذا نفسه هو مصير كل أثرٍ عربي معاصر لا يتبع مذهب مجمع القاهرة في التغيير والتبديل؟ وماذا يحدث إذا نهج مجمعنا في تيسير النحو والصرف والبلاغة على غير منهج المجامع العربية الأخرى؟ بل ماذا يحدث إذا اتفقت مجامع العرب على أشياء ورفضها المسلمون, لأن المسلمين إنما يدرسون هذه العلوم للاطلاع على مصادر دينهم، وهي جميعاً تستعمل اصطلاحات النحاة والبلاغيين التي يسمونها قديمة. وإذا انصرف الناس في مصر عن دراسة كتب (النحو القديم) و (البلاغة القديمة) كما يسميهما طه حسين وحزبه، وجَروا وراء كل ناعق يزعم أن القواعد القديمة معقدة، وذهب كل منهم مذهبه في استنباط قواعد جديدة، وتسمية المسمَّيات بأسماء مبتكرة فقدت الاصطلاحات قيمتها. فإِنما ترجع قيمة الاصطلاح إلى تواضع الناس عليه، فإِذا اختلف الناس فيه لم يعد اصطلاحاً. فإِذا قال أحدهم مثلاً (هذا فاعل) لم يفهم عنه الذي لا يسمي الفاعلِ فاعلاً لأنه قد ابتكر له اسمًا جديداً فسماه (موضوعاً) أو (أساساً) أو (مسنداً إليه) أو (ركناً). وإذا قال أحدهم هذا حال أو تمييز أو ظرف أو مفعول معه أو مفعول لأجله لم يفهم الآخر الذي لا يميز بين حالة من هذه الحالات لأنه يسميها جميعاً (تكملة). وقس على ذلك سائر قواعد النحو والبلاغة (١).
والنحو العربي - ولا أقول "النحو القديم" كما يسمون - ما عيبه؟ وهل هو حقاً كما يزعمون معقّد صعب، وهل ثبت فشله كما يزعمون في تنشئة جيل عربي يقيم عربيته ويحسن تذوقها؟ نَحوُنا وبلاغتنا لا عيب فيهما. ومن الممكن تبسيطهما واختصار المطولات المؤلفة فيهما في حدود القواعد والأقسام التي التزمها القدماء أنفسهم. فالواقع أن اجتماع الناس في كل أمصار العرب
(١) راجع مجلة مجمع اللغة العرببة (٦: ١٨٨) وراجع كذلك كتاب القواعد الذي تداوله طلبة السنة الأولى من المرحلة الإِعدادية في العام الدراسي المنصرم.