رائعة لأعلام الشعر والأدب في مختلف العصور ومن شتى بلاد العرب، وكنا نروض أذواقنا وأخلاقنا على طائفة من قصص نافعة تمجد ضروباً من البطولة العربية والإِسلامية، فاستبدلوا بذلك كله هذه السخافات الغثة، التي لا تعين على تكوين الملكة العربية أو الذوق العربي.
وحجة أصحاب هذه المناهج تنحصر في أنهم لا يقدمون للنشء إلَّا ما يلائم عقولهم وتفكيرهم، وأنهم يتجنبون تكليفهم حفظ ما لا يستطيعون تدبره وفهمه، ومن المسلم به أن الصبي لا يعي كل ما يحفظه وعياً كاملاً، ولكن لا ينبغي أن يفوتنا أنه يختزنه إلى أن ينضج عقله فيستخرج هذا المدخر آناً فآناً ليتدبره. ولو سلمنا باستبعاد كل ما لا يستطيع الصبي أن يتدبره في صباه لا نبني على ذلك استبعاد تعليمه أن الأرض كرة وأنها تدور، واستبعاد تعليمه أن الله سبحانه وتعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وَلمَا كان هناك محل لحفظ القرآن أو تعليم الدين والعبادات - وإن كان ذلك هو فِعْلاً مذهب لبعض التربويين الذين نقعوا أدمغتهم في الثقافة اللادينية. والحقيقة التي ينبغي أن يقوم عليها تصورنا لهذه الأمور - بقطع النظر عن كل ما يستورده التربويون من قواعد عرجاء لا يعرف أحد مصدرها ولا الأغراض التي صُنِعت من أجلها - هو أن الصبا زمن نشاط الذاكرة وحِدتها، وما أصدق ما كان يردده آباؤنا من أن (التعلم في الصغر كالنقش في الحجر). فيجب أن تستغل هذه الحدة إلى أبعد حدود الطاقة وبقدر ما يسع الجهد. ثم يجيء وقت ينمو فيه التفكير وتضعف الذاكرة في الوقت نفسه، وعند ذلك يتدبر الرجل ما حفظ في صباه، وُيصبح لكثير مما كان يردده من غير وعي معنى جديد. والِإنسان من هذه الناحية يشبه في تفكيره الحيوان المجتر في طعامه، يختزن مادة التفكير حين تتاح له فرصة الاختزان، ثم يعيد استخراجها في وقت متأخر لكي يهضمها ويتدبرها, ولو أنه تَرك في صباه حفظ ما لا يدرك كل معناه، لما أمكنه أن يحفظه عند نضج تفكيره, لأن التفكير ينمو على حساب الذاكرة.
وهناك حقيقة ينبغي أن لا نغفل عنها أو نهملها، وهي أن الشخصية العربية هي القاعدة التي تستند إليها القومية العربية. والشخصية العربية تقوم