على تشابه أذواق العرب وملكاتهم. وهذا التشابه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتراثنا الثقافي العريق وبعمالقة الشعر والأدب بخاصة، الذين سجلوا مُثُلنا العليا إيجاباً وسلباً في شعر الحماسة والأدب والرثاء والهجاء، وفي الخطب وفي الرسائل بمختلف صنوفها، بين ديوانيه وإخوانيه ووصفية ووعظية وأخلاقية. فإِهمال أدبنا القديم وتوجيه أكثر العناية إلى الأدب الحديث، بل التافه منه في الأعم الأغلب، وتجنب ما كان منه على منوال القديم جزالة وروعة وفخامة أسلوب واحتفالاً بالمعاني الكبار، خليق أن يعين على تدعيم ما يدبره بعض المفسدين فيسلكون إليه مختلف المسالك ويعالجونه بشتى الأساليب، حين يسعون إلى فصل حياتنا الراهنة والمستقبلة عن مصادرها القديمة حتى تتفرق جماعتنا ويتشتت شملنا، وحتى لا تكون أخلاقنا امتداداً لخلق آبائنا, ولا تكون أذواقنا امتداداً لأذواقهم، ولا تكون لغتنا وأساليبنا امتداداً للغتهم وأساليبهم. وحتى لا يكون إسلامنا إمتداداً لإِسلامهم. فإِذا نجحت هذه العصابة في أن يجعلوا (المجتمع العصري) الذي يتحدثون عنه مقطوع الصلة بماضينا في الدين وفي اللغة وفي العادات وفي الذوق الفني وفي المزاج وفي التقنين الخلقي. فأي جامعة يمكن أن تجمعنا عند ذاك؟ وأي طابع يمكن أن يميزنا عن غيرنا من سائر خلق الله ويجعل لنا الحق في أن نقول إننا قوم، إننا عرب؟ ما أيسر أن نكون عند ذلك تبعاً لسادة الشرق أو الغرب وذيلاً لكائن من كان ممن يريد أن يستلحقنا كما كان السادة يستلحقون العبيد في عصور الرق.
أقول ذلك وأنا أعلم أن هذه الأساليب الفاسدة كلها حائلة زائلة إن شاء الله، وأنها لن تقوى على مقاومة مد القومية العربية الذي لا يزال يعلو ويرتفع. وبوادر ذلك وطلائعه واضحة في كثير من كتب هذا العام الدراسي لم التي خضعت برامجها للاتفاقية الثقافية (*). ولكني انتهزت الفرصة لأنبه في هذا المقام إلى أساليب يعتمد مروجوها أكثَر ما يعتمدون على غفلة الناس عنهم وجهلهم حقائق ما يهدفون إليه، ولألقي الضوء على بعض ما يدبره المفسدون في الظلام.
وأصحاب النحو الجديد، أو ما يسمون (تيسير النحو) شعبة من تلك
(*) كان ذلك في فترة الوحدة بين مصر وسوريا تحت اسم (الجمهورية العربية المتحدة).