هذه أمثلة مما أدركوه من وجوه النقص في تقسيمهمِ. وبقي كثير مما لم يدركوه، مما أشير إليه ولا أحصيه في مثل (والقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنَازِلَ) الذي ينتصب فيه (القمر) مع أنه ليس اسمًا لإِن أو إحدى أخواتها، الذي زعموه استثناءاً وحيداً من رفع المسند إليه. وبقي أن نسأل أصحاب التيسير: كيف يصنع الناس بكتب التفسير والحديث والفقه وشروح دواوين الشعر التي تمتلىء صفحاتها باصطلاحات النحو المتداولة التي حكموا عليها بالإِعدام، والتي لا تستغني عنها هذه الكتب حين تَعْرِض لتوضيح المعنى أو بيان الفرق ما بين قراءة وقراءة - ورواية ورواية؟ وبقي أن نسألهم أيضاً: هل استشرتم العرب جميعاً فيما صنعتموه؟ بل هل استشرتم المسلمين الذين لا يستغنى فقهاؤهم عن تلك الكتب التي لا تِستعمل غير اصطلاحات النحو الذي يريدون أن يلحقوه بكل ما يريدون إعدامه والقضاءَ عليه من (قديم)؟ أم أنهم لا يعرفون أن هذه اللغة ليست مِلْكاً لطه حسين وإبراهيم مصطفى، والقوصي ومن شايعهم ممن يخافهم أو يرجوهم أو يُضله شيطانهم. بل هي ليست مِلْكاً للمصريين وحدهم. بل هي ليست مِلْكاً للعرب وحدهم ولا للمسلمين وحدهم من أهل هذا الجيل. وإنما هي أمانة يتحتم علينا أن نحفظها للأجيال من بعدنا كما تلقيناها عمن قبلنا. أقول هذا وأنا أعلم ما سيرُدُّ هذا النفر به عليَّ. سيقولون: كلما حدثناكم في شىِء أقحمتم فيه الإِسلام وقلتم القرآن القرآن، لا حجة لكم إلَّا هذا ولا تعِلّة لكم سواه! ونحن نقول: نعم. القرآن والإِسلام في تقديركم شيء هين يسير وهو في تقديرنا كبير خطير. ونحن لا نبالي شيئاً مما تزينونه وتزخرفونه إذا أبعدنا عن القرآن والإِسلام. فإِن كان القرآن والإِسلام عندكم لوناً من الألوان، وواحداً من اعتبارات كثار فهو عندنا كل شيء، به نحيا وعليه نموت. ذلك بأن الحياة عندكم نعيم وزخرف ومتاع ثم لا شيء بعد ذلك إلًا الفناء، فلا قيمة عندكم لشيء لايتحول إلى لذة أو شهوة أو أرقام. أما نحن فالحياة عندنا مَعْبَرٌ للآخرة وطريق إليها، ومن أجل ذلك نبني فيها ونعمل ونكافح ونجاهد. لذلك كان الأدب عندكم لهواً ومتاعاً، وخرافات وأوهاماً، لذةً للشذَّاذ والفارغين، وكان عندنا أسمى من ذلك وظيفةً وأعزَّ مكاناً. ومع ذلك كله فالقرآن والإِسلام هو سبيلنا إلى العزة في الدنيا التي تطلبونها ولا ترون سواها, لأن الذي يفقدهما يفقد الضمير