للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومراقبة النفس ومحاسبنها في الصغير والكبير، ويفقد الدافع القوي الصادق إلى العمل المثمر النافع، ويفقد الحصانة والمناعة التي تجعله يتماسك ولا ينهار أمام الشهوات والمغريات. ومن فقد ذلك كله فقد الدنيا, لأنه لا يُترَك للهوه ولعبه كما كان يظنه ويشتهيه، بل يسلِّط الله عليه من يستعبده ويُشقيه، فيصبح عبداً رقيقاً في مزارع السيد الجديد، يزرع لغيره بعد أن كان يزرع لنفسه، خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

بقي كذلك أن نقول لأصحاب التيسير المزعوم: إن ما أطلقتموه من أسماء لما توهمتموه من أقسام لا تصبح (اصطلاحاً) حتى يجتمع عليها الناس. وقد عرفتم رأي العرب فيها، سمعتموه في مؤتمر مجامع اللغة العربية الأول في دمشق سنة ١٣٧٦ هـ. وسمعتموه من قبل ذلك ومن بعده.

ومع ذلك كله فقد يبدو لي أن أصحاب التيسير كانوا يضعون أمام أعينهم التقسيم الغربي في نحو بعض اللغات الأوروبية الذي يقسم الجملة إلى (Subject) و (Predicate) والدليل على ذلك أن أصحاب التيسير آثروا استعمال (تكملة) وهي الترجمة الحرفية لكلمة (Complement) على اصطلاح البلاغيين المشهور وهو (فَضْلة). والدليل عليه أيضاً أنهم قد نظروا في تقسيم الفعل الجديد إلى النحو الأوروبي حين قسَّموه إلى ماضي وحاضر ومستقبل، وحذفوا (الأمر) فجعلوه صيغة مستقلة سموها صيغة الطلب، جمعوا فيها بينه وبين النهى، لكي يطابقوا ما يطلق عليه في النحو الإِنجليزي (Imperative mood). ومَثَلٌ ثالث لهذا التقليد الجَهول نجده فيما اختاره هؤلاء الهدامون من جمع بعض الأبواب مثل (الإِغراء والتحذير) و (الاختصاص) تحت قسم من النحو سموه الأساليب، ليطابقوا بهذا الصنيع تقسيم النحو الإِنجليزي إلى (Grammar) و (Syntax). وفات هؤلاء القرود أن اللغات الأوروبية التي نقلوا عنها هذا التقسيم كالإِنجليزية لا تحتاج لعلم يقابل علم النحو عندنا لأنها غير معربة. أما المعرب من لغاتهم مثل الألمانية ومثل (الفعل) في الفرنسية فهو لا يزال يحتاج في ضبطه إلى قواعد تفوق قواعد النحو العربي في أقسامها وفروعها. ومن شاء فليرجع إلى أي كتاب إبتدائي في الألمانية ليرى إلى كم مجموعة يقسمون الأسماء، وليرى ما يطرأ على كل مجموعة من تغير وإضافة في حالات الإِعراب المختلفة التي تبلغ ثماني حالات إفراداً وجمعاً، مما

<<  <   >  >>