صفة الثبات والاستقرار والقدرة على التعبير العلمي الدقيق والفني المؤثر الجميل. أما العامية فهي لهجة متطورة مختزلة وميسرة إلى أقصى حدود الاختزال والتيسير لتفي بحاجات التفاهم السريع الذي لا يبالي بالدقة العلمية أو الجمال الفني. ثم إن التقاط الألفاظ الصالحة من العامية ليس من عمل أقسام اللغة العربية، ولكنه من عمل الكتّاب والمترجمين والمجامع والمحافل المعنية بهذا الشأن. ووسيلته هي أن تمارس العربية الفصحى في كل المجالات الاجتماعية والعلمية. وعلى طول الممارسة سوف تظهر كلمات وكلمات، وعبارات وعبارات، يبقى منها الصالح المستقيم ويموت الفاسد المعوج. والمهم في الأمر كله هو أن يظل الذوق العربي صحيحاً غير سقيم، صريحاً غير مشوب، لكي يختار عن بصيرة. والذوق العربي السليم هو الذي ينشأ أصحابه على نصوص عربية سليمة صحيحة.
ثم إن بقاء اللغة العربية الفصحى حية مأنوسة هو الضمان الوحيد لتقريب ما بين هذه اللهجات العربية المختلفة, لأن هذه اللغة الواحدة المشتركة المستعملة في الصحف وفي الإِذاعات وفي المدارس وفي الدواوين وفي المحافل تشد إليها هذه اللهجات، ولا تسمح لها بأن تشرد وتذهب بعيداً وتتشعب بَدَداً.
أما ما قيل عن اهتمام القدماء بتصحيح خطأ العوام فمن الواضح أنه ليس من دراسة العامية في شيء. ونحن لا نزال نفعله بوصفه تقويماً للألسنة المعوجة، لا بوصفه اهتماماً بآثار الألسنة المعوجة.
• اللغة العربية ليست ملكاً للمجتمعين في هذا المؤتمر. بل هي ليست ملكاً للمصريين ولا للعرب ولا لأهل هذا الجيل جميعاً. إنها أمانة قد تلقيناها عمن قبلنا لنؤديها إلى من بعدنا سليمة صحيحة كما تلقيناها, لا نفرط فيها ولا نبددها ولا نبدلها.
وهذه اللغة رابطة قائمة بين العرب من أبناء هذا الجيل، وبينهم وبين التراث العربي الكبير منذ نزل به القرآن، وبينهم وبين المسلمين. وهؤلاء جميعاً يحرصون على قراءة ذلك التراث المكتوب بلغة العرب الفصحى الموحدة (بكسر