النصوص الفصيحة، لا بإِقحام نصوص ركيكة ومردَّدات عامية تحت إسم (الأدب الشعبي).
والأدب الشعبي الذي يختلف باختلاف البلاد، بل الذي يختلف في البلد الواحد باختلاف البيئات، يؤدي وظيفته في مكانه الصحيح، ويشبع رغبات طوائف وطبقات لا تسمو ثقافاتهم وملكاتهم إلى تذوق الآداب الفصحى. وهو أدب شفوي يعتمد على الرواية. وهو قديم لم ير العرب ضرورة لتدوينه حتى لا يختلط بالنصوص العربية الصحيحة. والخطر في تدوينه الآن أعظم مما كان في أي وقت, لأنه يجري في ظل دعوة إلى استبدال العاميات المحلية بالفصحى، وهي دعوة تساندها أجهزة ذات نفوذ وأموال تبذل بسخاء.
وزعموا أن جمعهم للهجات العامية ليس بِدْعاً مستحدَثاً. وأخذوا يعدِّدون بعض ما جمعه قدَماء اللغويين من لهجات القبائل. كما أخذوا يحصون بعض ما يمكن الاستفادة منه في دراسة هذه اللهجات، من مثل تفسير بعض غريب المعاجم الذي لا يزال حياً مستعملاً في اللهجات، ومن مثل الاستعانة بجمع هذه اللهجات على تأليف كتب مدرسية ميسَّرة تعتمد على ما يصحُّ في معاجم اللغة من هذه اللهجات في كل بلد من بلاد العرب، ليكون الكتاب المدرسي مألوفاً غير بعيد عما ألِفَه الطالب المبتدىء من لهجة قومه.
ورداً على هذه المزاعم يقول كاتب هذه السطور:
١ - جمع لهجات القبائل كان ضمن جمع شامل للغة لم يفرق فيه اللغويون بين لهجة ولهجة، خدمة للقرآن الكريم وللحديث الشريف، عسى أن تكون كلمة من لغة هذه القبيلة أو تلك نافعة في تفسير هذه الآية أوذلك الحديث. وقد عدّ أصحاب اللغة هذه اللهجات على اختلافها فصيحة صحيحة، مع التسليم بفضل بعضها على بعض، واعتبار ما جاء منها في القرآن الكريم أو الحديث الشريف أفصح.
ثم إنهم توقفوا عن الجمع بانتهاء القرن الثالث أو بعده بقليل، وكف جامعو اللغة عن الجمع بعد أن اختلطت الألسن بفعل الهجرة والتغلغل الحضاري. واعتمدت الأجيال التالية من واضعي المعاجم اللغوية على النقل