مما جمعه هؤلاء الرواة الأولون. وإذا كان الجمع قد توقف منذ ألف عام أو يزيد، فأي حاجة جدّت الآن تدعو إلى استئنافه؟ وإذا صح - جدلاً - أن جمع اللهجات في قبائل جزيرة العرب البدوية يجري اليوم لخدمة الفصحى ومعاجمها، فكيف نفسر جمع اللهجات في سائر البلاد العربية الأخرى واستنباطَ قواعد لها؟ ولأي شيء تُستنبط هذه القواعد؟
٢ - الكتب التي أشارت إلى اللهجات فيما أُلف بعد ذلك كلُّها في تصويب أخطاء العامة. فالغرض منها هو إصلاح هذه الأخطاء لا جمعها وتدوينها.
٣ - ما يوافق الغريب والمستهجن من اللهجات المحلية في المعاجم اللغوية قد تخطاه الأدب وأهمله ولا داعي لبعثه أو إحيائه. فقد أصبح المستعمل موضع إجماع العرب والمسلمين. وبعث الغريب والمستهجَن هو محاولةٌ لرد الناس إلى الفرقة القبلية التي سبقت اجتماع العرب على هذه اللغة الموحدة التي نزل بها القرآن الكريم، والتي يمثلها الشعر الجاهلي في آخر حلقاته السابقة على نزوله.
٤ - وضع كتب دراسية تتقيد باستعمال ما صحَّ في معاجم اللغة من عاميات البلاد والأقاليم العربية هو الخطوة الأولى في خلق معاجم محلية متعددة: مصرية وشامية وعراقية وسودانية.
وقد ذكر بعض الذين أثاروا هذا الحديث أنهم قد مارسوا استعمال هذه اللغة في الكتب المدرسية السودانية. ومن المعروف أنها مورست بعضَ الوقت في مصر أيضاً، في الكتب التي ألفها (القوصي والعريان) ثم عُدِل عنها لفشلها. وقد عرض مندوب تونس في مؤتمر مجامع اللغة العربية بدمشق سنة (١٩٥٦) هذا الاقتراح ولم يؤخذ به، وفي الصفحة ١٣٩ وما بعدها نقد تفصيلي لما دار في هذا المؤتمر.
وزعم الداعون لإِنشاء هذه الدراسات في قسم اللغة العربية أن (الآداب الشعبية) المكتوبة باللهجات التي يدعون إلى دراستها ووضع قواعد