لها تشتمل على مضامين فكرية تستحق الدراسة، ففيها صور صادقة من حياة الشعوب وأحاسيسهم بكل ما تموج به من آمال وآلام.
وذلك شيء غير منكور، ولكنَّ مِن الواضح أن قسم اللغة العربية لا يدرس من المضامين الفكرية والأدبية إلَّا ما صيغ باللغة العربية الفصحى. وكل ما صيغ من المضامين بغير هذه اللغة ليس من شأنه أن يدرسه. فالمضامين الفكرية والأدبية المكتوبة باللغة الإِنجليزية من شأن قسم اللغة الإِنجليزية، والمكتوبة بالفرنسية من شأن قسم اللغة الفرنسية، والمكتوبة باللاتينية واليونانية من شأن قسم اللغات القديمة، والمكتوبة بالفارسية أو الأُردية من شأن قسم اللغات الشرقية. فإِنْ رأت الجامعة أن تنشىء قسمًا للهجات العامية كانت هذه (الآداب الشعبية) من بين شؤونه أو شجونه. على أنه يتحتم على الجامعة قبل أن تنشىء قسمًا كهذا - إنْ رأت إنشاءه - أن تسأل نفسها: لأي شيء يصلح المتخرجون فيه؟ ولأي الوظائف يؤهلون؟
ذلك شيء واضح إذا لم تكن هناك سوء نية في مزاحمة ساعات الدراسة المخصصة للغة العربية وقواعدها وآدابها. والمكانُ الطبيعي للاستفادة من هذه المضامين واستنباط دلالاتها الاجتماعية - إنْ صحت النية - هو أقسام الدراسات الاجتماعية.
ولنكن صرحاء - آخر الأمر - مع أنفسنا. من أين جاءتنا هذه الدراسات؟ وكيف نشأت؟ هل نشأت لحاجةٍ نبعت من واقعنا؟ من الواضح أن هذه الدراسات بدأت باقتراح أجهزة الاستعمار والتبشير. ومن الواضح أن الدعاة الأولين من العرب تأثروا بدعايات هذه الأجهزة أو عملوا لمصلحتها. وبعضهم من غير المسلمين الذين لا يرون للغة العربية قداسة أوحرمة. وكانت هذه الدعوات كلها خارج نطاق المعاهد الدراسية والجامعات، لا تتجاوز معارك صحفية بين قلة من الداعين إلى هذه الدراسات وكثرة من الردود التي تسفههم وتسخف دعوتهم. ثم دخلت الدعوة بعد الحرب العالمية الثانية إلى المعاهد العليا والجامعات. كيف دخلت؟