للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أرسل إبراهيم مصطفى (١) حين كان رئيساً لقسم اللغة العربية بجامعة الإِسكندرية بعثتين إلى إنجلترا لدراسة اللهجات واللغويات على طريقة الغربيين. ثم توسع في هذا الاتجاه حين أصبح عميداً "لدار العلوم" في أواخر الأربعينيات من هذا القرن الميلادي، فأرسل عدداً ضخمًا من البعثات في هذا التخصص. وعاد هؤلاء وكل بضاعتهم التي لا يحسنون سواها هي دراسة اللهجات، ليدرِّسوها في كلية "دار العلوم"، وليوجهوا بعض المتخرجين للتخصص فيها في دراساتهم العليا للماجيستير والدكتوراه. نقطةُ البدء غلطة وخطأ في التوجيه، فهل يظل هذا الخطأ يلد أخطاءاً إلى الأبد؟ أم نضع له حداً حين نكتشفه، ونقطع تسلسله؟ ونقول للذين وقعوا فيه: صححوا مساركم، وليكن الله في عونكم؟

وسارت دراسات (الأدب الشعبي) مُواكِبةً لهذا الاتجاه في الوقت نفسه في كليات الآداب، وفي (دار العلوم) بعد أن أنشىء كرسي أستاذية للأدب الشعبي في كلية الآداب بجامعة القاهرة، سبقه إنشاء كرسي لما سمي "الأدب المصري" كان أمين الخولي أول من شغله.

وزعم المخدوعون والمفسدون أن القصد من دراسة اللهجات ليس هو دراسةَ لهجة بعينها في هذه القرية من بلاد العرب أو تلك، كما يبدو من موضوعات البحوث التي حصل بها المبعوثون على (الماجيستير) أو (الدكتوراه)، ولكن القصد هو تعلم "المنهج". فلأي غرض نريد أن نتعلم "منهجاً" في دراسة لهجات العرب العامية ونضع قواعد لها؟ إذا لم يكن ذلك تمهيداً لِإكسابها شيئاً من الاحترام، يرفع قدرها عند عامة الناس، تمهيداً لاتخاذها لغة للأدب والتدوين، أو تطعيم العربية الفصحى بها على أقل تقدير، للوصول إلى ما يسميه بعضهم (باللغة الثالثة) أو (اللغة الوسط)، وهو ما لا يقل خطورة عن استبدال العامية بالفصحى, لأنه بدء طريق يؤدي إلى النتيجة نفسها.


(١) هو صاحب كتاب "إحياء النحو" واحد مؤلفي الكتب المدرسية التي طبقت منهجه في هذا الكتاب. وقد فُرضت هذه الكتب بضع سنين على الطلبة في مختلف المراحل الدراسية، ثم ألغيت بعد ثبوت فسادها.

<<  <   >  >>