وزعموا أن "المنهج" لا يفيد في دراسة اللهجات العامية وحدها، فهو (منهج لغوي) يصلح لأن يطبق على أي لغة وعلى اللغة العربية الفصحى نفسها. فلأي شيءٍ نستورد "منهجاً" غريباً في دراسة اللغة، ولنا منهجنا الخاص الأصيل الذي أثبت ألف عام أو يزيد صلاحيته؟ فقد صان اللغة - بحمد الله - ولا يزال. وواجه احتياجاتها وما جد من شؤونها طوال هذه القرون فاضطلع بها, ولم يَعْيَ ولم يضق بضبط تطوراتها وتوسعاتها العلمية والحضارية، من بغداد شرقاً إلى أقصى بلاد المغرب والأندلس غرباً. وإذا استحدثنا مناهج جديدة ومصطلحات جديدة، فقد حكمنا بالاعدام على تراثنا، لا على تراثنا النحوي والصرفي واللغوي وحده، بل على التراث كله، الذي يستعمل هذه المصطلحات في تفسير القرآن، وفي شروح الحديث، وفي شروح دواوين الشعر ومختاراته. وهو تراث سوف يتمسك به المسلمون من غير العرب، وينفرد بغيره العرب، إن اتفقوا على ذلك المنهج الجديد.
وقالوا إن العلم يُقصَد لذاته، وللذة المعرفة وحدها. فلذة المعرفة هدف مقصود لذاته. وهذا تصور للمعرفة غير إسلامي. فصناعة الخمور معرفة، بل باب واسع لعارف متعددة، فهل ينفق مسلم وقته ويبدده فيه؟ والسحر علم، والمسلمون مَنهيّون عن السعي لمعرفته أو ممارسته. والرقص الزوجي الذي يقترن فيه الرجال بالنساء باب من أبواب المعرفة التي تمُنَحْ فيها الآن درجات جامعية في الغرب، فهل يسعى مسلم لمعرفته؟ و"تحضير الأرواح" باب للمعرفة يمارَس في بعض الجامعات الغربية، فهل يسعى مسلم إليه؟ .. هذا لون من الترف الذي تنتهي به حياة الأمم. فالترف الفكري كالترف المادي سواء بسواء. كلها إفناء للعمر في عبث يضر ولا يفيد، ويُبعِد عن الطريق ولا يُدِني منه. فلنضع السؤال الصريح القاطع إذن دون لفٍّ أو دوران، ففيه فصل الخطاب: هل نريد أن نظل مسلمين تحكُمنا أصول الاسلام، ونراقب وجوه النفع والضرر من وجهة نظر إسلامية؟ أم أننا نخدع أنفسنا وننافق الناس؟ وحقيقة الأمر أننا نضيق بقيود الإِسلام، ونريد أن ننطلق من كل قيد، ونريد أن نحيا يومنا وليكن ما يكون في الغد القريب أو البعيد؟ وليتنا نعرف أننا لا نخرق الناموس، ولا نهرب من حكم الله، وأن الذي يرفض أن يعمل لأمّته حرًّا