فنجح في إدخال بعض التحسينات الزراعية، وقدَّم ألواناً مختلفة من الخدمات الصحية بمعاونة السكان وتنظيمهم. رش المدينة كلها بمسحوق د. د. ت. للقضاء على الذباب والبعوض، وجفف الشوارع، وأنشأ نادياً للشبان: كما أنشأ دراسات مسائية في القراءة والكتابة للبالغين من الأميين، وكوَّن جمعية تعاونية. وبعد أن سرد الدكتور هارولد ألن ضروب النشاط التي قامت بها هذه المؤسسة الأجنبية ختم وصفه لهذه التجربة بالسطور التالية، التي تدل على الهدف الحقيقي لهذه البعثات. قال:"وفي السنة الماضية بدأ الرجال الذين يعيشون في محيط هذا الرائد - بعد أن تحسن اقتصادهم وصحتهم تحسناً كبيراً نتيجة لجهوده العلمية - يفكرون في حاجات نسائهم، وهذا هو ما ظل فؤاد فرج ينتظره زماناً. وقد أحيل الاقتراحِ إلى قسم رعاية المنزل بالمؤسسة المسؤولة عن هذا العمل. فأعدَّ برنامجاً للنساء والأطفال يدار من مكاتب قدمتها القرية بلا إيجار (١) ". ثم يعقب على ذلك بقوله:"إن المشروع الذي وصفناه هو جزء من تجربة تشمل اثنين وستين قرية، يبلغ مجموع سكانها ستة وعشرين ألفاً. وهو مثال لعشرات غيره من الجهود الفعالة المماثلة التي يمكن القيام بها -
ص ٢٦٨".
وهدف ثالث من أهداف مؤسسات "التربية الأساسية" ربما كان أخطر من الهدفين السابقين وأعمق أثراً، هو تخريج جيل من الخبراء الاجتماعيين.
(١) من القواعد الأساسية في مؤسسة (التربية الأساسية) حسب ما جاء في ص ٨٨ من الكتاب الذي نتكلم عنه في هذا القال - "محاضرات في نظم التربية". مساهمة (الناس بالجهد أو بالمال أو في الفكرة أو في التنفيذ في أي عمل من الأعمال. ولا شك أن هذا يدعوهم إلى الشعور بأن. هذا العمل أو المشروع جزء متهم وأنهم أصحاب حق فيه: وهو ما يحفزهم إلى رعايته واستغلاله والاهتمام به). ويذكرنا هذا الأسلوب بأسلوب الجاسوس الإنجليزي المشهور لورانس حيث يصفه في كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" فيقول أنه كان يعيش بين العرب كأنه واحد منهم. ولم يزل يمعن في تقليدهم حتى أحسوا أنه واحد منهم. وعند ذلك وجدوا أنفسهم منساقين إلى مجاملته وتقليده. فهو لم يفعل - كما يقول - شيئاً بنفسه. وليس هناك عمل يمكن أن ينسب صراحة إليه. إلا أن يكون من تأثيره في أفكار غيره وتحويلها إلى أغراضه. على أن العرب - كما يقول - كانوا يبدون في كل تصرفاتهم أحراراً يتأثرون بالقدوة الصامتة إيجاباً وسلباً حسبما يحلو لهم (ص ٢٩ من النسخة الانجليزية طبعة اكسفورد سنة ١٩٤٣).