أما الهدف التوجيهي من هذا المؤتمر فهو واضح في هذه المقدمة أيضاً وفي سائر البحوث. يقول رئيس دائرة التربية في الجامعة الأميركية ببيروت في مقدمته:"لقد بدأ قادة التربية في البلدان العربية يتحسسون بالحاجة إلى تربية فعالة كوسيلة لمعالجة الوضع الخطير الذي أحدثته عوامل التطور في هذه البلدان". ثم يقول بعد أن يعرض هذه العوامل باختصار:"فنتج عن هذه تبديلات عديدة هي تبديلات جوهرية لا يمكن أن تحدث في مجتمع ما دون أن تحدث فيه تضارباً بالأفكار والمثل والقيم، ودون أن تتطلب تعديلًا في مفاهيم ذلك المجتمع وآرائه ومعتقداته وطرق تنظيم معيشته. لذلك نجد أنفسنا في هذا الوضع مرغمين على إعادة النظر في مؤسساتنا التي تكونت ضمن الوضع القديم، وفي المبادىء والافتراضات والأهداف التي بنيت عليها تلك المؤسسات وتعديلها على ضوء الوضع العلمي والحضاري الحديث، والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم في مختلف مجتمعاتنا، كي نتمكن من إعادة بناء حياتنا على أساس مبادئ وآراء ومثُلُ بنّاءة منسجمة تتماشى مع الحضارة الإِنسانية الراقية (١)، وتمكننا من المساهمة الفعلية في تقدم ركب المدَنية البشرية ورقيه".
ولست أريد بعد ذلك أن أقدم صوراً مما ألقي في هذا المؤتمر من بحوث، فقد يطول بي الحديث إن أخذت فيه. هذا إلى أنه حديث بغيض يملأ النفس مرارة وضيقاً بالواقع الراهن للتعليم في هذه البلاد، بما فيه من كلام كثير عن فضل أمريكا في إنشاء مؤسسات التعليم المختلفة ومعاهده المتباينة في شرق الأردن وفي لبنان خاصة، وبما فيه من استخفاف بآدابنا ومواريثنا يَلَبس في أوهام المتكلمين ثوب العلم حين يؤكدون أهمية الدراسة الفنية في معاهد التربية لمن يباشرون وظيفة التدريس، ليُخفوا الهدف الحقيقي من ذلك، وهو إفساد التعليم بإِقامته على أساس من الآراء الفاسدة والنظم الهدامة، التي تروجها الصهيونية العالمية في غلاف أمريكي، عن طريق المتأمركين الذين يسيطرون الآن على هذه المعاهد في كل البلاد العربية،
(١) لست أدري ما هو مفهوم "الرقي" و"الحضارة الإنسانية الراقية" في وهم صاحب هذا الكلام. هل هو كل ما جاء من الغرب المنحل وكل ما أخرجته فنون الجنون الأمريكي؟