يروجون هذه السموم ويزعمون أنها علوم. وكأن أحلام ما يسمونه علم النفس ودعاواه المتغيرة المتناقضة التي لا تكاد تستقر قد أصبحت شيئاً مقطوعاً بصحته. فباسمه يدعو المخدوعون إلى (تحطيم) ما توارثناه في آدابنا من توقير الصغير للكبير، غير مكتفين بما حاق بنظم التعليم وخلق المتعلمين من خسران بعد أن فسدت صلات التلاميذ بمدرسيهم نتيجة للتقليد الأعمى وللنقل الَجهُول. وباسمه يتخطون أوامر ديننا ويتجاهلون آدابه الصالحة الرشيدة حين يدعون إلى خلط الذكور بإِلاناث، وإلى إخراج المرأة للأسواق وامتهانها بين الرجال، مما يعرضها ويعرض المجتمع الإِنساني كله للفساد والانحلال ثم الانهيار، ومما يحقق أحلام الداعين لهذا المؤتمر في هجر تعاليم ديننا والتمرد على الصالح من تقاليدنا، إقتداءاً بالخلق الأمريكي المنحل، وسيراً في أعقاب تجاريب أثبت الواقع فشلها في حل مشاكل الناس في مَواطنها الأصلية التي ننقل عنها، بل لقد عَقّدت مشاكلهم وزادتها كما تدل عليه جداولهم الإِحصائية التي أثبتت اطراد الزيادة في النسب المئوية للانحراف والشذوذ وللجرائم على اختلاف ألوانها، وكما يصوره الواقع الملموس في انحلال أخلاق شبابهم، واستهلاكهم قواهم وملكاتهم في العكوف على الشهوات، وضعفهم عن حمل الأمانات والنهوض بالواجبات.
لا أريد أن أخوض في تفاصيل ما ألقاه المؤتمرون في هذا المؤتمر لأقدم صوراً دقيقة مؤلمة مما ألقي فيه من بحوث، ولكني لا أستطيع أن أختم الكلام عنه دون الإِشارة إلى أن هؤلاء المدعوين الكبار من الوزراء ومن في مستواهم قد ظلوا في ضيافة المؤتمر أربعة شهور كاملة، بدأت بمحاضرة العضو اللبناني الأولى في نادي وست هول بالجامعة الأمريكية في ٢٦ كانون الثاني (يناير) ١٩٥٥ وانتهت بمحاضرة العضو العراقي في ٢٦ أيار (مايو) ١٩٥٥. وسيعجب القارئ للسخاء الذي أُنفقت به الأموال على هذا المؤتمر وأمثاله. ولست أدري أيزول عجبه أم يزداد حين يعلم أن مؤسسة روكفلر هي التي قامت بكل النفقات. ولكي يطمئن القارئ إلى صدق ما أقوله أنقل له السطرين الأخيرين من مقدمة حبيب كوراني رئيس دائرة التربية في الجامعة الأمريكية ببيروت حيث يقول: "إننا مدينون بالشكر أيضاً إلى مؤسسة روكفلر