حياة أحسن من تلك التي يعيشونها. ولا نقصد بالحياة الأحسن أن تكون كذلك من الناحية المادية، وإنما هي حياة أحسن من حيث الأداء لرسالة الأبوة ورسالة التربية". فالمشرف على هذه السلسلة - وهو من كبار رجال التربية في مصر - يعرف أن هذه المؤسسة الأمريكية تهدف إلى توجيه الآباء والمدرسين. وهو يقر هذا الهدف وترضى نفسه أن يعين الأموال الأمريكية عليه، وهو يعرف - كما يعرف كل عاقل - أن الناس لا يصدرون فيما يأتون من أعمال إلا عن دوافع تدفعهم إلى العمل، وأن هذه الدوافع مهما تختلف وتتنوع فهي تشترك في أنها تحقق نفع الفرد أو الجماعة التي تنتمي إليها. فمن الواضح أن الفرد أو الجماعة لا تبذل الجهد والمال إلا فيما يعود عليها بالمنفعة. فليت شعري ألم يَرِدْ على خاطر الأذكياء الذين يشاركون في هذه الأعمال - كتباً كانت أو مقالات أو مؤتمرات - هذا السؤال الذي لا ينبغي أن يغيب عن البال: ما هو النفع الذي يعود على هذه المؤسسة، والذي يدفعها إلى بذل ما تبذله من جهد ومن مال؟ إذا لم يكن هذا السؤال قد ورد على أذهان هؤلاء الأذكياء فقد ورد على ذهني، وأظنه قد ورد على أذهان الكثير من الأذكياء وغير الأذكياء. وقد تكون الإِجابة على هذا السؤال طويلة، وقد لا تكون واضحة في أذهان الذين يتساءلون. ولكن من الأهداف الواضحة التي لا تخفي أن مثل هذه المشروعات تحقق أول ما تحققه توثيق الصلات بنفر من ذوي النفوذ وكسب ودهم وولائهم بالبذل السخي الذي يقدم في صورة مهذبة مؤدبة جداً. فهو لا يعدو أن يكون أجراً على مجهود قد بذل، وقد لا يكون هناك مجهود، وقد يكون المجهود تافهاً وصورياً. وقد يكون الأجر مضاعفاً أضعافاً كثيرة. ولكن المأجور لا يقول عادة إن الأجر كبير. وصاحب العمل مهذب رقيق يقدم عطاءه السخي في أدب جم وفي حياء (كأنك تعطيه الذي أنت سائله) - كما يقول شاعرنا العربي القديم زهير.
وهدف آخر من هذه الأهداف الواضحة هو السيطرة على توجيه المجتمع، عن طريق هؤلاء الأصدقاء من أصحاب النفوذ وعن طريق المخدوعين بأسمائهم ممن يقرءون ما ينشرون، والذي ينشرونه ليس باطلاً كله، بل إن فيه حقا كثيراً، بل إن الباطل فيه يلبس ثوب الحق فيصعب على