المقال كذلك عن واجب مصر الأول نحو الناس.، وهو نشر الحضارة بينهم، فيخيل للقارىء أن الكاتب يتحدث بلسان الإِمبراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر. أبمثل هذا تدعّم القومية العربية وتحارَب أكاذيب المفسدين والدساسين الذين ينفثون سموم الفرقة بين العرب، حين يزعمون لإِخواننا أن مصر دولة ذات مطامع استعمارية تتذرع إلى مطامعها بين العرب والمسلمين باسم العروبة والإِسلام؟
وإذا شئت المزيد من هذه العصبية ومن هذا التهور فاقرأ نص خطاب كاتب هذا المقال في الاحتفال بافتتاح البرنامج الثاني (العدد ٦ ص ١٢٣ - ١٢٧)، حيث يردُّ إلى الفراعنة مظاهر الحضارة الِإنسانية بكل ألوانها وبكل فروعها وصورها، وينسب إليهم (صنع فكرة الإِيمان بالله) على حد تعبيره، ؤحيث يقول:"إن مصر الآن لا يُشَك في أنها تلعب دوراً رسالياً، دوراً ذا رسالة. ونحن لا نستطيع أن نضطلع بهذا الدور إلَّا إذا شَحَنّا بطاريتنا, لأن بطاريتنا فارغة". ثم يروي قصة القبطان الذي نفد ما في سفينته من الماء الحلو، فأخذ يلح في طلبه، ثم تبين له أن الماء الحلو تحته وهو لا يدري، بعد أن قطعت سفينته المحيط ودخلت في مصب أحد الأنهار. ويشبه حالنا في مصر بحال ذلك القبطان "الماء الحلو عندنا، الماء الحلو في ثقافتنا .. في بعض هذه الهياكل والمعابد التي نستطيع أن نشاهدها، فنرى كيف صنع أجدادنا من هذه الأرض وبهذه الأدوات". ثم يقول:"وأرجو أن يكون البرنامج الثاني إحدى هذه الوسائل في أعماق حياتنا التي امتدت ستة آلاف سنة بل أكثر. ونستطيع أن نخرج منها ماءً حلواً لا لنشرب منه فقط، وإنما نشرب ونوزّع منه على العالم". فهل هذا هو الدور الرسالي الذي ستقوم به مصر بين العرب؟ هل رسالتها في إحياء الفرعونية وفرعنة العرب جميعاً؟ وماذا يحدث لو أراد إخواننا المغاربة بالمثل أن يُبّرْبِرُوا العرب، ونازعهم في ذلك كل من العراقيين والشاميين واليمنيين، كل واحد منهم يباهي بجاهليته ويزعم أنها أحق بالسيادة؟ هلِ هذا هو السبيل الصحيح لجمع العرب، وهم بحمد الله وفضله مجتمعون فعلاً على الإِسلام، لم تفرقهم إلَّا أمثال هذه الدعوات؟!.
وتجد مثل هذا الانحراف المنفر في التعليق على العصر الفرعوني في مقال