والجبابرة من الطغاة، كلهم عنده سواء. تجد ذلك في مثل قوله:"ولم تكن بيزنطة أرحم بالشعب المغلوب، ولا كان الولاةُ العرب- ص ٣١". وفي قوله:"لم يكن المصري يملكِ شيئاً من أرضه ولا من غير أرضه. كلها إقطاعات للفرعون وأسرته، وللمعبد وسدنته، ثم للبطليموس فالإِمبراطور في رومة وبيزنطة، ثم للخلفاء في شبه جزيرة العرب جنوباً وشمالاً (١). ولمن جاء بعدهم من حكام مصر الأجانب - ص ٣١". وفي قوله:"وأنت تجد أمثلة لهذه الاضطرابات والثورات على طول التاريخ المصري في العهد القديم، وبعد استتباب الأمر للبطالسة وإبان الحكم الروماني والبيزنطي والعربي والعثماني والفرنسي والأرنؤودي والاحتلال البريطاني - ص ٣٣". وقوله:"حدث هذا بعد احتلال الرومان وبعد الفتح الإِسلامي والغزو العثماني - ص ٣٥". وقوله:"وكل همه إرضاء الملك البعيد إمبراطوراً أو خليفة أو سلطاناً - ص ٣٥".
ولقد بلغ بالكاتب تقديسه للوطنية المصرية بهذا المعنى الشعوبي المتطرف حدَّاً يقرب من الشرك، فكان من سوء اختياره للألفاظ أن وصفها بما اختاره الله جل وعلا لنفسه فقال: إنها لا تدركها سِنَّةٌ ولا نوم (ص ٢٦)، وأنزل الدين منزلة تلي في قداستها وسلطانها على النفوس هذه الوطنية، إذ جعل اعتناق المصريين للمسيحية مظهراً من مظاهر المقاومة الوطنية للاحتلال الروماني، وأظهر عجبه لتحول المصري عن الوثنية إلى المسيحية متسائلاً:"كيف لم يحرص المصري على ديانته العتيقة وهي آخر صلة له بمجده الغابر؟ - ص ٢٦".
وفي "المجلة" بعد ذلك صور كثيرة من هذه الشعوبية البغيضة، في مثل مقال "فن التصوير المصري - العدد الأول ص ٤٤ - ٤٦" الذي يقدس فن الفراعنة الوثني وما اتخذوه لأنفسهم من آلهة بزعمهم، وفي مثل مقال "الفن المصري - إدراك القانون - العدد الرابع ٢٩ - ٣٣"، بما يتخلله من مجازفات مارقة في تعريف الدين والتدين والخلط بينهما وبين فنون الوثنية.
(١) من الحقائق العلمية والتاريخية أن الفتح الإِسلامي هو الذي ألغى نظام الطبقات للمرة الأولى في مصر وبه تحررت الطبقة الكادحة في الزراعة وصار حتى تملك الأرض عاماً لكل الطبقات. والذي يجهل هذه الحقيقة يجهل تاريخ الِإسلام في مصر.