وفي مثل مقال "الرقص الشعبي في الاتحاد السوفيتي - العدد الرابع ٧٢ - ٧٧"، الذي يدور حول حديث لراقص روسي عن "خلق رقص مصري ذي طابع مميز". بل إن الموضوعات الِإسلامية التي تتناولها "المجلة" تنحو بها نحو هذه الغاية، فلا تتحدث عن الإِسلام وأبطاله إن تحدثت - وقليلًا ما تفعل - إلَّا من هذه الزاوية الشعوبية المنافية لروح الإِسلام منافاة صريحة. تجد ذلك في مثل مقال "الخلافة المصرية الأولى - العدد السادس ٨١ - ٨٤"، الذي يدور حول تمجيد ثورة دِحْية بن المعصَّب في مصر على الخلافة العباسية سنة ١٦٧ هـ فيسميها كاتب المقال (الخلافة المصرية الأولى)، كأن خلافة المسلمين التي هي خلافة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تجمع شملهم على اختلاف أجناسهم، مُلْكٌ ينسَب إلى البلاد لا إلى الإِسلام نفسه، ويمجّد فيه المارقون المفتونون ممن يشعبون كلمة المسلمين ويبثون الفرقة بين صفوفهم.
وتجد في "المجلة" مع ذلك كله حفاوة شديدة بتفاهات هابطة وبألوان من العبث الساذج "الفنون الشعبية". تريد المجلة أن ترفع من قدر هذه التفاهات وتنادي بدراستها وتسجيلها باسم الفن وباسم الشعبية. وبطلانُ مثل هذه الدعوات ظاهر. فمن المعروف أن الفن يتعلق دائمًا بمقاييس رفيعة. وهو يهدف إلى ترقية الذوق الساذج التخلف وتثقيفه، لا الهبوط بالذوق إلى مستوى الأذواق الفجة التي لم يهذبها التثقيف باسم الشعبية. وأوضح ما يبدو ذلك في مقال (الفنون الشعبية في مصر - العدد الرابع ٤٦ - ٤٩)، الذي يدعو إلى إحياء الشخصية المصرية، ولا يعتبر الوثنية والسيحية والإِسلام إلَّا أعراضاً لا تغير من جوهر الشخصية المصرية بزعمه. فهي وثنية حيناً وهي مسيحية حيناً آخر وهي مسلمة تارة أُخرى ولكنها في كل هذه الأحوال مصرية دائمًا. وهذا هو ما أسميه جنون (الفولكلور) والانحراف في فهمه وتوجيهه. وذلك الغرض المسموم المريض هو الحافز الحقيقي لكل ما نسمعه عن الدعوات التي تصدر عن الجامعات حيناً ومن مصلحة الفنون حيناً ومن مجلس الآداب تارة أُخرى، وكلها تدعو إلى الاهتمام بأدب العوامِّ وأغانيهم وعاداتهم والاستعانة على تسجيل ذلك بكل ما أخرج العلم الحديث من وسائل وأدوات، كما تدعو إلى تكريم من عُرِفوا بإِبراز هذه النزعة من الفنانين الذين سايروا هذه الدعوة