للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإِنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا. ويستطيع الراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زادت مساحة الأعضاء الكاسية من أجسادهم. كما يستطيع أن يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقري درجةً درجةً حتى تنتهي إلى العري الكامل في مدن العراة، التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة.

وقد أدرك قدماء العرب ذلك بالتجربة والملاحظة، فوصف أبو كبير الهذلي فارساً عربياً مشهوراً من صعاليك العرب - وهو تأبط شراً - بأن أمه قد حملت به وهي أشهى ما تكون إلى زوجها، حين لم تكن مرضعاً ولم تكن في أعقاب حيض، حتى لقد صور أباه في هياج شهوته وكأنه قد اغتصب أمه اغتصاباً وأخذها غِلَاباً، وذلك حيث يقول (١):

مِمَّنْ حَمَلْنَ به وهُن عَواقِدٌ ... حُبُكَ النِطاق فجاء غير مُهَبَّلِ

ومبرَّإ من كل غُبَّرِ حَيْضةٍ ... وفسادِ مرضِعةٍ وداءٍ مُغْيِلِ

حملت به في ليلةٍ مَزْءُودةٍ ... كَرْهاً وَعَقْدُ نطاقها لم يُحْلَلِ

فأتَتْ به حُوشَ الفؤاد مُبطَّناً ... سَهِداً إذا ما نام ليلُ الهَوْجَلِ

وأدرك ذلك أيضاً الإِمام الجليل أبو حامد الغزالي، فجاء في كتابه "إحياء علوم الدين" من بين ما سرده في الخصال المطِّيبة لعيش الزوجين قوله (٢):

"ثامناً: أن لا تكون من القرابة القريبة. فإِن ذلك يقلل الشهوة. قال - صلى الله عليه وسلم - (لا تنكحوا القرابة القريبة فإِن الولد يخلق ضاوياً). وذلك لتأثيره في تضعيف الشهوة. فإِن الشهوة إنما تنبعث بقوة الإِحساس بالنظر واللمس، وإنما يقوي الإِحساس بالأمر الغريب الجديد، فأما المعهود الذي دام النظر إليه مدة فإِنه يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به، ولا تنبعث به الشهوة". إهـ.


(١) شرح ديوان الحماسة للتبريزي ١: ٨٤ - ٨٦ ط مصطفى مُحَمَّدْ ١٣٥٧.
(٢) ج ٤ ص ١٣٢ - ١٣٣ لجنة نشر الثقافة الإِسلامية ١٣٥٦.

<<  <   >  >>