بإِرضاعه. ومن الثابت أن إرهاق المرأة بالعمل يترك أثراً في مزاجها وفي أعصابها، ومن الثابت أيضاً أن ذلك الأثر ينتقل إلى جنينها في حالة الحمل، كما ينتقل إلى طفلها في حالة الرضاعة. بل إن بعض علماء الوراثة يتحدثون عن وراثة الصفات والأعراض الطارئة على الأب والأم كليهما في أثناء العلوق والحمل. فالمرأة التي نيط بها حمل الجنين، والسهر على أمنه وسلامته في بطنها ومن بعد أن يخرج إلا الدنيا، محتاجة لأن تُكفى مئونة التعرض للمهيجات العصبية والإِجهاد العضلي أو العقلي، الذي تصل آثاره إلى ربيبها جنيناً ورضيعاً، وتترك فيه أسوأ الآثار. وذلك شيء يقضي به أوجب الواجبات وأهمها، وهو الحافظة على سلامة النوع البشري. ثم إنها محتاجة بعد ذلك إلى أن توفَّر لها الفرصة الكاملة لملازمة طفلها ملازمة كاملة تسمح بأن يُصنع على عينها جسمًا وعقلاً وخُلُقاً، لكي تغرس فيه العادات الفاضلة، وتجنبه ما قد يعرض له أو يطرأ عليه من عادات قبيحة. ومثل ذلك لا يتأتي بالأمر أو النهي مرة أو مرات. ولكن لا بد فيه من المراقبة الدائمة، والإِشراف على تكرار الفعل حتى يرسخ في نفسه. واليقظة على الزجر مرة بعد مرات عن بعض الأفعال الأخرى حتى يحال بينها وبين الرسوخ في نفسه. وهذه المراقبة التي لا تغفل، التي تتسم بالصبر الذي لا يمل، هي وحدها التي تسمح باكتشاف أعراض الداء في البنين والبنات قبل أن يستفحل ويتعذر علاجه. والقول بأن كل صلة الأم بولدها تنحصر في الحمل والوضع هو نزول بالإِنسان إلى مرتبة الحيوان. فالإِنسان يمتاز بطول حضانته لأطفاله. وهي حضانة ليست غذائية فحسب كما هي في سائر الحيوان، ولكنها خلقية وعقلية أيضاً في الإِنسان، وذلك من أهم الأسباب في تقدم البشرية, لأنه يورث الجيل التالي تجارب الأجيال السابقة، بما يمكِّنه من متابعة الشوط وتوفير الوقت والجهد الذي يضيع في تكرار التجارب.
واعتماد المرأة العاملة على الخدم وعلى دور الحضانة في رعاية وليدها لا يؤدي إلى كمال تنشئته, لأن الاخلاص له والحرص على ابتغاء الكمال من كل وجه لا يتوافر في أحدٍ توافره في الأم, لأن من وراء إخلاصها وحرصها غريزة الأمومة. والحرص على الواجب في الخدم وفي دور الحضانة لا يمكن أن