يرتفع إلى مرتبة الغريزة مهما افترضنا فيه من السمو، ومهما عملنا على ترقيته إلى أقصى درجات الكمال، ومهما تجاهلنا جنايات الخيانة والإِهمال والإِفساد التي لا تحصى شواهدها في واقع الحياة.
ولجوء الأم العاملة إلى الوسائل الصناعية في إرضاع طفلها خيانة للأمانة وتفريط فيها وتعطيل لسنة الله, لأن الله سبحانه لم يخلق ثدي الأنثى لتبرزه في السهرات وتكشف عن جماله وتنصبه شركاً في الطرقات، ولكنه أوجده أصلاً للإِرضاع. والرضاعة مع ذلك ليست عملية عضوية آلية فحسب، ولكنها حنان متبادل وميثاق غليظ. وليس لنا أن نتوقع بعد شيوع الرضاعة الصناعية إلا السعي لاختراع وسيلة للحمل الصناعي بعيداً عن بطن الأم - إن أمكن - توفيراً لجهدها وصيانة لجمالها!
وقد كان أنصار تعليم المرأة في أول هذا القرن يحتجون لدعوتهم بأن تعليم المرأة أعونُ لها في حسن القيام على تربية أولادها، فلما تعلمت المرأة نسوا ما كانوا يدعون إليه أو تناسوه، وراحوا يعملون على أن تكون المرأة صورة مكررة من الرجل. وصنيعهم هذا دليل على أنهم غير مخلصين فيما يدعون إليه، وأن لهم من وراء دعواتهم أهدافاً وغايات تخالف ظاهر أقوالهم.
ولو شئنا لقلنا بعد ذلك كله لأعداء المرأة وأعداء أنفسهم ممن جرى عرف الصحف والكتاب في هذه الأيام على تسميتهم (أنصار المرأة): إن المرأة لا تصلح للكد وممارسة الأعمال العامة صلاحية الرجل. لأنها بحكم تكوينها تحيض أسبوعاً في كل شهر، وهي حالة تكاد تكون مرضاً يخرجها عن مألوف عاداتها. وهي بعد ذلك إن حملت ظلت تعاني في الشهور الأولى من حالات (الوحَم) وما يلازمه من أسقام. ثم إنها تعاني في الشهور الأخيرة من ثقل الحمل الذي يقيِّد حركاتها حتى يكاد يشلها. فإِذا لم تكن المرأة العاملة متزوجة كانت مشغولة بالبحث عن الزوج، معرضة للزلل والتفريط عند كل بارقة من الأمل في الظفر به، وهي لا تعدل عن ذلك ولا تتصرف عنه إلا لعلة قد تكون شراً من البحث عن الزوج وأخطر.
وقد زعم أعداء المرأة المتسمين بأنصارها أن لزومها للمنزل انتقاص