لحقوقها وقتل لشخصيتها واعتداء على كيانها. ومن قلب الأوضاع أن نسمي المصون المخدوم المكفَّى الحاجة سجيناً حسب ما توهم صاحب (تحرير المرأة) كما يبدو من عنوان كتابه. وقد عاشت المرأة ما عاشت مكرمة معززة مدللة حاكمة على زوجها من خلف ستار، ولم تحس يوماً أنها مهضومة الحق أو أنها مضطهدة أو سجينة أو مهدرة الكرامة والشخصية، حتى ظهر ذلك النفر من الكتاب فأحلَّ الصراع والتنازع بين الجنسين محل التواد والتراحم. ومن عجيب أن الذين حملوا اللواء في الدعوة إلى ما يسمون (حقوق المرأة) كانوا من الرجال ولم يكونوا من النساء، ولم يكن من وراء صنيعهم إلا إفساد الحياة على المرأة والرجل كليهما. ذلك لأن الحياة تحتاج إلى طمأنينة توفر للناس السعادة والاستقرار، وثورة النساء والرجال كل منها على الآخر تُحِمل القلق والبغضاء محل الطمأنينة والحب بين الجنسين اللذين أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل بينهما مودة ورحمة ينبني عليهما عمران الكون وحفظ النوع البشري. والمجتمع السليم يقوم على التواد والتراحم وعلى إخلاص كل عضو فيه لوظيفته وقيامه بها راضياً لا يمل ولا يتذمر، فهو كالجسم الذي ينصرف كل عضو فيه إلى أداء عمله ووظيفته، لو توقَّفَ أحد أعضائه عن أدائها أو تمرد عليها لاختل. فالله سبحانه وتعالى قد {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}. فهيأ كل فرد، بل كل ذرة، من نباتٍ أو حيوان أو جماد، لوظيفةٍ معينة، وركَّب فيه من الطبائع ما يناسبه، وصرفه لأدائها. وعلى ذلك تقوم حياتنا الحديثة في كل شؤونها وفي كل نواحي الصناعة والعلم فيها، فهي تقوم على التخصص الدقيق الذي يتيح دقة المعرفة وحذق المرانة لكل عاكف على فرع بعينه. والتربية الحديثة تحاول أن تكتشف مواهب الأطفال والصبية لتوجه كلًا منهم فيما يلائم استعداده وتكوينه. فلماذا نطبق هذين المبدئين - التخصص والعمل المناسب - في كل شيء، ونأبى أن نطبقهما في الرجل والمرأة؟.
والرجل الذي يكدّ ويجهد نفسه ويرهقها في العمل خارج البيت محتاج إلى زوجة متزينة متعطرة ناعمة البال يأنس بها ويسكن إليها مما يجده من عناء، وتُسرِّي عنه بعض ما يعتريه من السأم والإِجهاد، وما يترك عنف التعامل مع الناس في نفسه من آثار الضيق والملل. وكدحُ المرأة في ميادين الأعمال العامة