للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسلام: من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصباء فقد لغا (١). فمدح ها هنا المقتصر على الوضوء ووعده بما وعده به، فلو كان الغسل واجبًا لما صح هذا الوعد المتضمن للثناء على المقتصر على الوضوء، إذ تارك الواجب لا يثنى عليه. وقد لاح ما في هذا الحديث: أن الاقتصار في الغفران على هذا المقدار من العدد لأجل ما تقرر في الشريعة أن الحسنة بعشر أمثالها. فكانت الطاعة يوم الجمعة تضاعف إلى عشر، والجمعة سبعة أيام. وتبقى من العشر ثلاث فزادها من جمعة أخرى. واستدل أصحابنا بحديث عائشة المذكور فيه: إن الناس كانوا عمال أنفسهم. وذكرت فوح الروائح منهم فقال عليه الصلاة والسلام: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا (٢). حديثها المشهور في ذلك. وفي بعض الطرق: ولو اغتسلتم. وهذا اللفظ لا يستعمل في الوجوب. وقد قال بعض أشياخي: الغسل لمن له رائحة واجب. واعتمد على النهي لأكل الثوم عن دخول المسجد.

وحضور الجمعة واجب فيزالة الرائحة واجبة. واعتذر عن حديث عائشة بأن تلك الروائح ألفوها. فلهذا لم توجب الغسل، ولم تكن كغيرها من الروائح.

واستدل أيضًا على نفي الوجوب بأن الطهارة إنما تتغلظ بالحدث لا بالصلاة. ألا ترى أن البول يوجب الطهارة الصغرى والمني والحيض يوجبان الطهارة الكبرى فإنما تغلظت الطهارة واختلفت باختلاف الأحداث ولا مدخل في ذلك للصلوات بدليل أن النفل والفرض مستويان في الطهارة، وأن الصلاة الواحدةِ والصلوات الكثيرة يفعل جميعها بطهارة واحدة. وإذا كان هذا هكذا فلا معنى لتغليظ الطهارة وإيجابها للصلاة لا لحدث. لكن الطهارة تستحب فيها تعظيمًا لها. كما تكون الطهارة عند الإحرام وغير ذلك مما استحبت الشريعة الطهارة فيه. وأما القائلون بالوجوب فإنهم يستدلون على الوجوب بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم (٣). الحديث المشهور. وبقوله في الصحيح


(١) رواه مسلم عن أبي هريرة. إكمال الإكمال ج ٣ ص ١٦.
(٢) رواه مسلم وأبو داود والبيهقي من رواية يحيى بن سعيد. الهداية ج ٣ ص ٢٨٩.
(٣) عن أي سعيد الخدري: غسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم. الهداية ج ٣ ص ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>