للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتصر بعض الأشياخ لمذهب مالك في هذه المسألة، بأن الإقالة تجوز في الطعام وإن تغيرت ذمة المقال، وتبدلت بالوسع والعسر؛ فاقتضى هذا أن اختلاف الذمم لا يعتبر ها هنا. وهذا لا يلزم ابن القاسم وأشهب؛ لأن الذمة ها هنا ذمة واحدة، وقد وقعت المعاملة عليها، وعقد السلم مع تجوّز اختلاف حالها، وتبدل شأنها بالوسع والعسر، والثمن الذي عقد به السلم قد اعتبر دافعه حال هذه الذمة وما يتخوف، فزاد في الثمن، أو نقص، بمقتضى ما يظهر من حال هذه الذمة في المستقبل. فإذا وقعت الإقالة بعد تغيير الثمن، يكون في الثمن المقال عليه تغير لأجل أن هذا التغير عليه وقع العقد. بخلاف من ولى رجلًا آخر طعامًا اشتراه بثمن مؤجل عليه، فإن هذا لم يقتض العقد بينه وبين من عليه السلم اعتبارَ ذمة المولَّى، كما اقتضى العقد ذمة المقال. وكذلك اختلف أيضًا فيمن أسلم في طعام فلما حل الأجل قبض بعض السلم، ثم أراد أن يولي ما لي يقبض، فإن الخلاف في هذا أيضًا مبني على ما أشرنا إليه من كون الثمن يختلف اختلافًا مفيدًا (١) لا اختلافًا محسوسًا؛ لأن السلم إذا عقد على مائة قفيز، فقبض منها خمسين، ثم ولى الخمسين التي لم يقبض بنصف الثمن، فإنها لا يقابلها من الثمن الذي وقع العقد بنصفه ولأن (٢) المقبوض قد استقبل فيه على التقاضي والطلب، وثمنه إذا بيع معينًا يمكن قبضه في الحال أكثر من ثمن ما لم يقبض، لما يتخوف المولي من مَسعد (٣) الطلب له وكلفة التقاضي، والثمن إذا اختلفَ مُنِعَتْ التولية. ومن أجاز التولية ها هنا رأى أن العقد إنما وقع من (٤) وقوعه على أن هذين النصفين من الطعام المتساويين في الثمن، فإذا وقعت التولية على التساوي لم يُتصور اختلاف في الثمن الذي وقع عليه العقد. ولولا ولَّى ها هنا جميع الطعام، ما قبض وما لم يقبض، لمنع؛ لأن المقبوض يكون العقد فيه


(١) هكذا في الأصل، ولعل الصواب: مقدرًا.
(٢) هكذا في الأصل، ولعل الصواب حذف الواو.
(٣) هكذا في الأصل، ولعل الصواب: مَسْعَى.
(٤) هكذا في الأصل، ولعل الصواب: حين.

<<  <  ج: ص:  >  >>