ويرى أصحاب أبي حنيفة أن هذا المراد (١) بهذا الحديث ويقولون: قد روي الحنطة بالحنطة مثلًا بمثل وفي رواية "مثل بمثل" فمن نصب "مثلًا" أضمر فعل أمر فكان التقدير بيعوا الحنطة مثلًا بمثل. ومن رفع أضمر مصدرًا فكان التقدير: مثل بمثل. فيكون هذا بمعنى المبتدأ والخبر. فلم يأت في هذه الرواية لفظ آخر يعم ما يمكن كيله مما لا يمكن.
قيل لهم: ورد فيها إيجاب المساواة بين البرين إذا بيع أحدهما بالآخر، فيحمل ما سواه من الألفاظ الواردة في الطرق الأخرى على هذا، ويكون القصد بالأحاديث إيجاب التسوية.
قالوا: وإذا كان المراد إيجاب التسوية فالتسوية تكون من ناحية الذوات، ومن ناحية المقدار، فإيجاب التسوية من ناحية الذوات هو اشتراط الجنس، وهو أحد وصفي العلة، واشتراط إيجاب المساواة أيضًا يقتضي المساواة في المقدار، ولا تكون المساواة وتتحقق وتعرف إلا من ناحية الكيل، فقد تضمن هذا كون الجنس والكيل عُلقة بتحريم الربا بواسطة إيجاب التسوية، ولا معنى لمناقضتها في قولنا: إن الكيل علة، فإنه يكون علمًا على التحليل إذا تساوى وعلمًا على التحريم إذا تفاضل. ولا يكون الوصف الواحد علة التحليل والتحريم لأنا قد بيّنا أن المطلوب إيجاب التسوية لا أكثر، وإنما يتوصل إلى التسوية بالكيل، والتساوي .. بسب الخلاص من التحريم. وهو المطلوب في الشرع، وليس هو علة في التحريم والتحليل، وإنما هو علم على المساواة التي أوجبها الشرع. ولا يناقض أيضًا بجواز صاع برّجيّد بصاع بر ردىء، لأن الشرع إنما طلب المساواة من جهة التشابه كيلًا ومقدارًا، لا مساواة تعم سائر الأوصاف لأنه لو شرع هذا كان من الحرجِ العظيم، وانقطعت المعاوضات ها هنا، مع كون هذا الوصف غير منفرد عن الذات، ولا متميز، والاختلاف في المقدار متميز
(١) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: هذا هو المراد.