للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: وإن قلنا: إن الماء مملوك، وقلنا: إن الماء يثبت فيه الربا، منع من بيع دار بدار فيها بئران، لأجل اجتناب (١) هذا العقد على التعاوض بأمرين فيهما الربا وبأمرين لا ربا فيهما، وهذه أحجار الدار قبض هذا، كمن باع ثيابًا ودنانير بثياب ودنانير وهو الذي خرجه في بيع دار بدار فيهما ذهبنا نحن إلى الصحيح، فخرج القاضي أبو محمَّد عبد الوهاب إخراج الربا فيه من الرواية التي ذكرناها عنه، وقلنا: الانتفاع مقصوده في العقود وجب منع بيع - دار بدار فيهما بئران حلوان، أو عينان كما قال أبو حامد. وإن قلنا: إن الأتباع لا حصة لها من الثمن، وغير مقصودة في العقود جاز البيع، وإن كان الماء فيه الربا، لكن الماءين تَبع في الدارين. وسنتكلم على هذا في بيع السيف المحلَّى بذهب يسير، أو بيع الشجر المثمر بشجر مثمر مثله. وقد تقدمت إشارتنا إلى هذا في بيع الشجر المثمر بطعام إلى أجل، وذكرنا ما في ذلك من الخلاف. فوجه قول من نفى الربا في الماء كونه خلق للامتهان والبذلة حتى ورد في الشرع النهي عنه عند بعض العلماء، وما ذلك إلا تنبيهًا على المسامحة به وبذله. وقد قدمنا أن علة الربا مبنية على اكتساب الأقوات حرمة وشرفًا يجب أن يصان عن الامتهان إلا على خفة. فلو قلنا: إن الماء فيه الربا لكان هذا. مخالفًا لموضوع الأصل الذي قررناه وعللنا به الربا، ووجه القول بإثبات الربا فيه بأنه طعام قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (٢) فسماه طعامًا، وإذا كان طعامًا فهو أيضًا مما يحفظ الحياة، والصبر عنه أقل من الصبر عن القوت، وفيه تكملة وتتميم القوت، فوجب أن يثبت فيه الربا.

قال القاضي أبو محمَّد عبد الوهاب رحمه الله:

فكل مسمى مما يحرم التفاضل فيه فإنه صنف مفرد بنفسه لا يضم إليه


(١) كلمة غير واضحة في الجميع، ولعلها: اشتمال.
(٢) البقرة: ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>