للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورُوي أن معمر بن عبد الله بعث غلامًا له بصاع قمح، وأمره أن يبيعه ويشتري به شعيرًا، فأتاه بصاع ونصف، فقال له: ردّه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الطعام بالطعام مثلًا بمثل" وطعامنا يومئذ الشعير (١). فهذا صاحب روى الحديث، وحمله على كونه يقتضي منع التفاضل بين القمح والشعير.

وأجاب المخالف عن هذا بأن لفظ الحديث لا يقتضيه؛ لأنه إن أراد بقوله "الطعام بالطعام" أي الشعير بالشعير لكونه طعامهم حينئذ، كما قال الراوي، فلا يختلف في تحريم التفاضل بين الشعير والشعير، وإن أراد الطعام بالطعام عمومًا، جنسًا كان أو جنسين، فإن هذا متفق على منع الذهاب إليه لكون التفاضل بين الجنسين جائزًا باتفاق إذا بيعا يدًا بيد. وإذا كان هذا متفقًا عليه في الجنس الواحد أنه ممنوع التفاضل، افتقر إلى نظر آخر، هل القمح والشعير جنس واحد أو جنسان؟ على أنه قد روي في هذا الحديث أنه قيل لمعمر: إنه ليس مثله قال: أخاف أن يضارع (٢). وهذه إشارة إلى توفي التفاضل استحبابًا لا إيجابًا.

وكذلك ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نهى عن التفاضل بين القمح والشعير، يمكن أن يكون ذلك استحبابًا لا إيجابًا. وسعد بن أبي وقاص أنه ذهب إلى المنع من ذلك أيضًا فإن مذهبه وحده لا يكون كالإجماع، ويستدل مالك أيضًا على منع التفاضل بين القمح والشعير بأن ما تجانس من هذه الأطعمة منع التفاضل فيه وما اختلف جنسه جاز التفاضل فيه. والمعتبر في الجنسية ها هنا تجانس المنفعة وتقاربها لأنه المطلوب من هذه الذوات ومراد الخلق بها والمقصود بملكها؛ وأما نفس الذات فمالكها على الحقيقة الله سبحانه وحده القادر على إيجادها وإعدامها، وإنما يملك الخلق على الحقيقة الانتفاع


(١) البيهقي: ٥/ ٢٨٣.
(٢) نفس المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>