للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بها فاقتضى هذا اعتبار تساوي المنفعة وتقاربها لا اختلاف الصور والأشكال.

والقمح والشعير قوتان متقاربان في القوتية، فوجب أن يكونا جنسًا واحدًا.

وأجيب عن هذا بأنهما غير متقاربين في القوتية لأنهما لا يقتاتان في بلد واحد على حد سواء، وإنما يقتاتان على جهات مختلفة، إما لعزة القمح وعدمه، فيرجع إلى الشعير، أو لاعتياد التقوت بأحدهما. وقد أكد الشافعي هذا بأن قال: التمر والزبيب جنسان مع كونهما قوتين حلوين يخرصان، فكذلك القمح والشعير.

ومما يعتمد عليه من قال: هما جنسان، قوله عليه السلام "البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر" الحديث المذكور فيه "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد" (١) فأفرد كل واحد من هذه بتسمية، وإفراده بها يدل على أنه جنس خارج عما سمى قبله وبعده من الأجناس، وأيضًا ففي بعض طرق الحديث "وبيعوا البر بالشعير والشعير بالبر كيف شئتم يدًا بيد" (٢) الحديث كما وقع.

ولا يعترض بأن القمح الجيد بينه وبين القمح الرديئ من التفاوت مثل ما بين دنيئ القمح وجيد الشعير، ثم مع هذا لا يحل التفاضل بين جيد القمح ودنيئه. ولا يتأول تسمية البر والشعير لأجل ما ذكرناه من دلالة هذا الحديث من كون اختلاف اسمائهما يشعر باختلاف أجناسهما.

والجواب عن السؤال الثاني أن يقال:

اختلف الناس في بيع ما فيه الربا من الحبوب بدقيقه، فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى منع بيع البر بدقيقه. واختلف الرواة عن مالك، فذكر ابن القصار أنه روي عنه المنع إذا بيع أحدهما بالآخر كيلًا. ورواية الجواز على أنه إذا بيع أحدهما بالآخر وزنًا. ومن أصحابنا من ذهب إلى حمل رواية الجواز على


(١) تقدم تخريجه.
(٢) البيهقي: ٥/ ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>