للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خطاب أهل زمانه في أمرهم بالمساواة على ما كانوا يعرفون المساواة من وزن أو قيل، فذكر بعض الناس أن ما كان أصله حينئذ الوزن فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا باتفاق، لأن الوزن أخص من الكيل، فإذا عدل عما هو أضبط للمساواة إلى ما هو دونه في ضبطها منع من ذلك.

وأما بيع ما كان أصله حينئذ الكيل وزنًا فإن بعض الناس ذهب إلى جوازه اعتلالًا منه بأن غرض الشرع المساواة بين الطعامين المبيعين فبأي الأمرين اتفقت المساواة من قيل أو وزن فيما كان أصله حينئذ الكيل فإنه جائز.

وأجيب هؤلاء عن هذا بأن مطلوب الشرع حينئذ المساواة بالمعيار المعتاد حينئذ، ألا تراه قال في الحديث "كيلا بكيل" فإذا كان مطلوب الشرع المساواة بالمعيار المعتاد حينئذ وجب الاقتصار عليه وأن لا يعدل عنه إلى ما سواه، لأنهما لما عدل عنه أمكن أن يقعا في التفاضل والربا (لو تغير الطعامين بالمعيار المعتاد فيهما) (١). ومال ابن القصار إلى جواز بيع ما اعتبر فيه الكيل حينئذ بالوزن، لحصول المساواة به وكونه أضبط للمماثلة والمساواة من المكيال، وذكر أن القمح بالقمح لا يمنع من بيعه وزنًا بوزن، وإن كان مذكورًا في الحديث الكيل لأن مقصود صاحب الشرع المساواة.

وأنكر هذا بعض الأشياخ، وقال: المعروف من المذهب خلاف هذا، وأنه لا يجوز بيع القمح بالقمح وزنًا، لأنهما وإن تساويا في الوزن فقد يختلفان في المساواة إذا كِيلا، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة" (٢) ولم يرد بهذا أنه ليس في العالم سوى ميزان أهل مكة ومكيال أهل المدينة، وإنما أراد الرجوع إلى مكيال أهل المدينة وميزان أهل مكة. وهذا يشير إلى منع تبديل ما كانوا عليه. وأما ما لا أصل له في المجاز (٣) فإن من الناس من ذهب إلى أنه يعتبر فيه عادة المتبايعين به في بلادهم. فهذا فيه


(١) هكذا في جميع النسخ، والمعنى على: لو غُيّر الطعامان بالمعيار غير المعتاد فيهما.
(٢) مختصر سنن أبي داود: ٥/ ١٢ - ١٥ حد. ٣١٩٩.
(٣) هكذا في النسختين.

<<  <  ج: ص:  >  >>